ومادة هذا من علم الغيوب، لقوله تعالى: {وكُنَّا به عالِمينَ} [الأنبياء: 51]، {وأضَلَّهُ الله على عِلْمٍ} [الجاثية: 23]، " وأستخيرك بعلمك " رواه البخاري (?)، ومادة الثاني من القدرة.
فإن قيل: قد أجمعوا على أن الإراده أمر ثُبوتي وجودي، والاختيار هو الإرادة.
قلنا: هذا ممنوع باتفاقهم، أما الأشعرية فظاهرٌ كما نص عليه الرازي، واحتج عليه في " نهاية العقول " كما ذكرته أول هذا الكلام.
وأما المعتزلة فقد ذكر ابن متَّوَيه في " تذكرته ": قد ثبتت حيث ينتفي الاختيار، والاختيار قد يثبت حيث تنتفي الإرادة.
مثال الأول: إرادة المُلْجَأِ إلى فعل ما يدعوه الداعي إليه كالهارب من السبع، فإنه يضطر إلى الهرب ويريده ولفعله وليس بمختارٍ فيه.
ومثال الثاني: أنه متى حصلت القدرة والداعي وقع الفعل بهما وإن منع الله تعالى الإرادة، بل وإن خلق الكراهة. انتهى كلامه.
وذكر في موضعٍ آخر منها، وذلك في أواخر فصول الإرادة: أن الإرادة إذا قارنت الفعل ووقع بها على وجهٍ سُمِّيَتْ نِيَّةً، ودلَّت على ما في الضمير، وذلك لا يوصف بها الله تعالى. وأما ما يتعلق منها بالحدوث فلا يُسمى نية، قال: وكذا ما يتعلق منها بالكلام يُسَمَّى قصداً، حتى قال: ويشبه بالقصد قولنا: إيثارٌ واختيارٌ.
فدل على أن هذه الأسماء قد تُطلق على الإرادة عند تعلُّقاتٍ مخصوصةٍ، ووجوهٍ مختلفةٍ، تقع عليها الإرادة فتميز تلك الوجوه بعضها من بعض باختلاف