وكذلك يلزمهم قبح إخراج الذِّبَّانِ من المنازل ونحو ذلك مما لو فعله أحد عُدَّ من المجانين بإجماع العقلاء.
وشبهة المُقبِّحين لذلك النظرُ إلى مَضَرَّة الحيوان فقط، من غير موازنةٍ بينها وبين ما يحصل بترك ذلك من مضارِّ أشرف الحيوان وتضررهم بفوات لذاتهم، بل قد اشتهر بين أهل المكارم ذمُّ من أشفق على ما يملكه من الأنعام ولم يُهِنْها في نيل محامد الكرام، كقول القائل في الحث على السفر لطلب الفضائل:
أثِرْها تطلُبِ القُصْوى ودَعْها ... سُدىً يَرْمي الغروبُ بها الشُّروقا
فلم يُشفِقْ على حَسَبٍ غلامٌ ... يكونُ على ركائبه شفيقا
ومن ذلك قوله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم} [البقرة: 216]، وقول بعض الصحابة: جاء الشرع بالكُره والرضا، فوجدنا خير الخير في الكُره أو كما قال، وسيأتي من ذلك طرفٌ صالح في مرتبة القضاء والقدر.
قال أبو حيَّان (?):
عُداتي لهم فضلٌ عليّ ومِنَّةٌ ... فلا أذهَبَ الرحمنُ عَنِّي الأعاديا
هُمُ بحثوا عن زَلَّتي فاجتَنَبتُها ... وهُمْ نافَسوني فاجتَنيتُ (?) المعاليا
وفي هذا ظهور اشتمال الشر على الخيرات، وشُهِرَ ذلك بين العقلاء، وأجمع العقلاء من المسلمين والفلاسفة أن الموجود في الدنيا، إما خيرٌ مَحْضٌ كالملائكة والأفلاك، أو الخير فيه غالبٌ كالنار فيها خير كثير، والمقتضى بالذات خير، والشر واقع بالتَّبَع، فإن ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شرٌّ كثير،