الله عز وجل في كتابه إلى شيء من الحكم المطوية في ذلك؟
قلنا: نعم، أشار إلى ذلك بإشاراتٍ متنوعة، وأعطى كل أحدٍ من الفهم في ذلك ما شاء، ولا يحيطون بشيء من علمه إلاَّ بما شاء، فمن ذلك قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2] ونحوها في هود [7] وفي الكهف [7] فإن البلاء مضمَّنٌ معنى العلم، وهو يتعدى إلى مفعولين كما ذكره الزمخشري (?) في تفسيرها، والله لم يذكر مفعول الابتلاء الثاني في كثير من آيات الابتلاء، وذكره في هذه الآية الكريمة، فكان زيادة بيانٍ يقضي على الآيات التي لم يبين ذلك فيها. وفي معنى هذه الآيات {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: 25] وأمثالها كثير.
وذلك يدل على أن المقصود بالابتلاء وجودُ أحسنِ العمل وأفضله، وأحسن الجزاء وأكمله، وإن وُجِد القبيح بسبب الابتلاء وتوابعه، فهو غيرُ مقصود لنفسه قصد الغايات، وإنما هو مقصودٌ لغيره قصد الوسائل والمقدمات، وذلك لما ثبت من القطع على أن الحكيم لا يريد الشر لنفسه، وهو من القواعد الفطرية القطعية. ألا ترى أن أحب الأعمال إلى الله تعالى بعد الإيمان بالله تعالى هو الجهاد، كما ثبت في " الصحيح " (?) ولذلك خلق الله الأضداد، والملائكة،