لتكذيبه لهم فيما قالوه من الحق، ولذلك تمَسَّك به الجاحظ في أن المطابقة لا تكفي في الصدق إلاَّ مع اعتقاد المتكلم لصحتها، وأما آيات المشركين فإنها مُصَرِّحةٌ بتقرير مذهب أهل السنة لنصوصه (?) عليه دون غيره.

والعجب أن المعتزلة احتجوا بها وهي بريئة من ذكر مذهبهم، وأرادوا إبطال مذهب أهل السنة إلى غيرها، ولو لم يرد في كتاب الله سواها، لما احتاج أهل السنة إلى (?) غيرها في تثبيت مذهبهم، ألا تراهُ يقولُ في هذه الآية: {فلو شاء لهداكم أجمعين} [الأنعام: 149]، وقال في الآية الأولى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النحل: 37] وقال فيها: {فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ} [النحل: 36] ولم يقل كما قالت المعتزلة: فمنهم من اهتدى ومنهم من لم يقدر الله على هدايته، وهذا موضع الحاجة إلى بيان الحقِّ ومحو (?) تمويه المشركين، فكيف يُقَرّرُ في نفس الجواب ما يقتضي عند المعتزلة إفحام الرسل؟ وهل يصح مثل هذا من حكيم؟

ولو قدرنا حسن ورود المتشابه، فليس في مثل هذا المقام، فهذا مقام الحجاج والبيان، وإيراد المتشابه هنا يوهم صحة الإشكال، والعجز عن الجواب، ويُغري بالقبيح ويحطُّ رتبة المجيب، فإلى متى يُؤَخَّرُ المحكم، ويأتي بيان الحق، ولا مخبأ بعد بؤسٍ، ولا عطر بعد عروسٍ (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015