بجمود الفطنة، وكثرة البله، وكل إناءٍ بالذي فيه يرشُحُ (?)، ولو كنتَ من أهل المغاصات الغامضة، والأذهان السَّيَّالة، والقرائحِ الوقادة، لظهر ذلك في رسائلك، فلا مخبأ بعد بوس، ولا عِطرَ بعد عَرُوس (?)، فكيف تعيبُ الخصوم بعيبٍ أنت بمثله موصوم؟
وكيفَ يَعيبُ العُورَ من هُو أعوَرُ
السادس: أنّ الفلاسفة تدَّعي من التَّحذلق مثل ما أنت مُدَّعٍ، ونعتقد في علماء المتكلمين من المسلمين كلهم من البله مثل ما أنت معتقد في المُحدثين، فإنهم يدَّعون أن المسلمين غيرُ ممارسين للعلوم العقلية على ما ينبغي، وأنهم همُ السُّبَّاق إلى تأسيس علم المعقول، ووضع قوانين البراهين في فنِّ المنطق، وأنّهُمُ المستبدُّون بذلك، لصفاء أذهانهم، وشدَّة غوصهم على الغوامض، وكما أن ذلك -وإن كان حقّاً- لا يوجب صحة ما كنتم عليه من الكفر المعلوم، وكذلك تشبُّثُ كثيرٍ من المتكلمين ببعض أساليب الفلاسفة في النظر والجدل لا يُوجِبُ صحَّة ما هم عليه من البدع، هذا إن سلَّمتَ أنّ المدقِّق قد يَضِلُّ الطريق، ولا ينفعه التدقيق، وإن لم تُسلِّم ذلك، فاتخذهم أئمة، وانسلخ عن هذه الأُمة، وفي هذا أكبرُ دليلٍ على نقض ما توهَّم المعترِضُ من تعليل إبطال المبطلين بعدم مُمارسة دقائق العلوم.