أن لا يكونَ كلامُ الصِّدِّيق تفسيراً، ولذلك قال: " برأيي " حتى يكون بريئاً مِنَ الخبر عَنِ الله تعالى في مُراده، وإنَّما قَصَدوا العملَ لأجل الضرورة فيه، لا الخبر عن الله تعالى، لأن الخبر عنه بالرّأي بمنزلة النُّبُوَّةِ بالرّأي، والوحيِ بالرأي، فالعمل يتفرَّع على الظن، ويترتَّبُ عليه؛ لأنَّ في مخالفة الظَّنَ بالعمل مَضَرَّةً مظنونةً، وركوبُ مثل ذلك قبيحٌ بفطرةِ العقول (?)، وشواهدِ المنقول، وفي الصَّحيح أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: " أَرأيْتُمْ لَوْ أَنْذَرْتُكُمُ الجَيْشَ " (?) الحديثَ، فهم (?) عاملون بالظَّنِّ، غيرُ مخبرين عَنْ مُرادِ اللهِ، وذلك لا يتناقض، بل قد صحَّ إنّ ما سمَّاه أبو بكر رأياً هو معنى الكَلالةِ في اللُّغَةِ، وليس ذلك بِرأْيٍ على الحقيقة، لكِنَّهُ -لِشدَّةِ ورعه واحتياطه- سمَّاه رأياً، حيث تَمَسَّكَ بالظاهر مِنْ غير نصٍّ ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال الشيخ: الثانية: أنَّه إنْ ذَكَرَه، لم يطلق القول بأنَّ المراد منه كذا وكذا، لأنَّه حكم بما لا يَعلم، وقد قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْم} [الإسراء: 36].
ولا يجوز التَّحدُّثُ به مع الخلق؛ لأنَّهُ قادرٌ على تركه، وهو في ذكره