وذلك أن قوله أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بكونه للفراش صحيح، وأما قوله بثبوت النسب فباطل، لأن عبد ادعى سببين: أحدهما الأخوة، والثاني ولادة الفراش. فلو قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هو أخوك، الولد للفراش. لكان إثباتا للحكم وذكرا للعلة. بيد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدل عن الأخوة ولم يتعرض لها، وأعرض عن النسب ولم يصرح به، وإنما هو في الصحيح في لفظ هو أخوك وفي آخر هو لك، معناه فأنت أعلم به. وقد مهدنا ذلك في مسائل الخلاف472.
فالحارث بن كلدة لم يدع زيادا ولا كان إليه منسوبا، وإنما كان ابن أمته ولد في فراشه- أي في داره- فكل من ادعاه لهو له، إلا أن يعارضه من هو أولى به منه، فلم يكن على معاوية في ذلك مغمز، بل فعل فيه الحق على مذهب مالك.
فإن قيل: فلم أنكر عليه الصحابة؟
فقلنا: لأنها مسألة اجتهاد، فمن رأى أن النسب لا يلحق بالوارث الواحد أنفكر ذلك وعظمه.
فإن قيل: ولم لعنوه، وكان يحتجون بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ملعون من انتسب لغير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه" 473.
قلنا: إنما لعنه من لعنه لوجهين: أحدهما لأنه أثبت نسبه من هذا الطريق، ومن لم ير لعنه لهذا لعنه لغيره. وكان زياد أهلا أن يلعن-عندهم- لما أحدث بعد استلحاق معاوية474.
فإن قيل: جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم للزنا حرمة، ورتب عليها