وعجبا لاستكثار الناس ولاية بني أمية، وأول من عقد لهم الولاية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه ولي يوم الفتح عتاب بن أسيد ابن ابي العيص بن أمية مكة- حرم الله وخير بلاده- وهو فتى السن قد أبقل أو لم يبقل. واستكتب معاوية بن أبي سفيان أمينا على وحيه. ثم ولي أبو بكر يزيد بن أبي سفيان- أخاه- الشام. ومازالوا بعد ذلك يتوقلون في سبيل المجد، ويترقون في درج العز، تى أنهتهم الأيام، إلى منازل الكرام.
وقد روى الناس أحاديث فيهم لا أصل لها، منها حديث رؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم بني أمية ينزون على منبره كالقردة، فعز ذلك عليه، فأعطى ليلة القدر خير من ألف شهر يملكها بنو أمية بعده. ولو كان هذا صحيحا ما استفتح الحال بولايتهم، ولا مكن لهم في الأرض بأفضل نقاعها وهي مكة. وهذا أصل يجب أن تشد عليه اليد.
فإن قيل: أحدث معاوية في الإسلام الحكم بالباطل، والقضاء بما لا يحل من استلحاق زياد. قلنا: قد بينا في غير موضع أن استلحاق زياد إنما كان لأشياء صحيحة، وعمل مستقيم نبينه بعد ذكر أمثل ما ادعى فيه المعون من الانحراف عن الاستقامة، إذ لا سبيل إلى تحصيل باطلهم، لأن خرق الباطل لا يرفع، ولسانه أعظم منه فكيف به لا يقطع؟!
قالوا: كان زياد ينتسب إلى عبيد الثقفي من سمية جارية الحارث بن كلدة460، واشترى زياد عبيدا أباه بألف درهم فأعتقه461.