بني عباد، اصطفاء المأمون لابن أبي داود وولاه الولايات الشريفة وبوأه المراتب المنيفة. فلما أقفرت حمص من ملكهم وخلت (?) وألقتهم منها وتخلت. رحل به إلى المشرق، وحل فيه محل الخائف الفرق. فجال في أكنافه، وأجال قداح الرجاء في استقبال العز واستئنافه. فلم يسترد ذاهبا، ولم يجد كمعتمده باذلا له وواهبا فعاد إلى الرواية والسماع. وما استفاد من إجالة تلك الأطماع. وأبو بكر إذ ذاك في ثرى الذكاء قضيب ما دوَّح، وفي روض الشباب زهر ما صوَّح، فألزمه مجالس العلم رائحا وغاديا، ولازمه سائقا إليها وحاديا، حتى استقرت به مجالسه، واطردت له مقايسه. فجد في طلبه، واستجد به أبوه منخرق أربه ثم أدركه حمامه ووارته هناك رجامه. وبقي أبو بكر متفردا، وللطلب متجردا، حتى أصبح في العلم وحيدا، ولم تجد عنه الرياسة محيدا، فكر إلى الأندلس فحلها والنفوس إليه متطلعة، ولأنبائه متسمعة، فناهيك من حظوة لقي، ومن عزة سقي، ومن رفعة سما إليها ورقي، وحسبك من مفاخر قلدها، ومن محاسن أنس أنبتها فيها وخلدها.
وفي السنوات الأخيرة من حياة ابن العربي مات علي بن يوسف بن تاشفين صاحب المغرب والأندلس، فقام بعده (سنة537) ابنه تاشفين الذي كان واليا لأبيه على الأندلس. وفي زمنه استفحلت دعوة الموحدين التي كان دعا إليها ابن تومرت مدعي المهدوية فتولاها بعده صنيعته عبد المؤمن بن علي، وتغلب عبد المؤمن على المعز تاشفين وشرده إلى وهران في غرب الجزائر، ثم قتله في وهران في رمضان سنة 539، وحاصر أخاه إسحاق بن علي بن يوسف