وشعر ابن العربي في مدة قضائه بأن سور إشبيلية لا يقاوم أحداث الدهر إذا ألمت بالبلد ملمة، فعزم على ترميمه، وسد بعض الثلم الواقعة فيه. واتفق وقوع ذلك في زمن انصرفت فيه الحكومة عن مثل هذا الأمر. أو أن المال اللازم لذلك لم يكن متوافرا لديها، فخرج ابن العربي عن كل ما تحت يده من ماله الخاص ورصده لتحقيق هذا الواجب الملي العام، ودعا الأمة إلى البذل فيه، وأقبلت في خلال ذلك الأيام الأولى من شهر ذي الحجة، فكان ابن العربي أول من خطر على باله الاستفادة من جلود الأضاحي في المصالح العامة، فحض الناس على أن يتبرعوا بجلود أضاحيهم لبناء هذا السور، فكان في ذلك موفقا، إلا أن أعداءه ومبغضي طريقته أثاروا العامة عليه بأساليبهم الخبيثة حتى نابه بداره في أحد الأيام مثل الذي ناب أمير المؤمنين عثمان بن عفان لما تألب البغاة عليه وهاجموه في داره. ولا شك أن هذه الحادثة وقعت له في آخر ولايته للقضاء، وقد أشار إليها في كتابنا هذا (العواصم من القواصم) الذي ألفه في سنة 536 فهي إذن وقعت بعد سنة 530 وقبل سنة 536 وقد قال في كتابنا هذا ص137-138 يصفها (ولقد حكمت بين الناس فألزمتهم الصلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لم يك في الأرض منكر. واشتد الخطب على أهل الغصب، وعظم على الفسقة الكرب فتألبوا وألبوا وثاروا إلي، فاستسلمت لأمر الله، وأمرت كل من حولي ألا يدفعوا عن داري، وخرجت على السطوح بنفسي فعاثوا علي، ولولا ما سبق من حسن المقدار، لكنت قتيل الدار. وكان الذي حملني على ذلك ثلاثة أمور: أحدها وصاية النبي صلى الله عليه وسلم (أي بالكف عن القتال في الفتنة) . الثاني الاقتداء بعثمان. والثالث سوء الأحدوثة التي فر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤيد بالوحي (?) .