واستأثر الله برسوله صلى الله عليه وسلم، ونفرت النفوس، وتماسكت الظواهر منجرة ما دام الميزان قائماً.
فلما رفع الميزان - كما تقدم ذكره (?) في الحديث - أخذ الله القلوب عن الألفة، ونشر جناحاً من التقاطع، حتى سوى جناحين بقتل عثمان، فطار في الآفاق، واتصل الهرج إلى يوم المساق. وصارت الخلائق عزين (?) في كل واد من العصبية يهيمون: فمنهم بكرية، وعمرية، وعثمانية، وعلوية، وعباسية - كل تزعم أن الحق معها وفي صاحبها، والباقي ظلوم غشوم مقتر من الخير عديم. وليس ذلك بمذهب، ولا فيه مقالة، وإنما هي حماقات وجهالات، أو دسائس للضلالات، حتى تضمحل الشريعة، وتهزأ الملحدة من الملة، ويلهو بهم الشيطان ويلعب، وقد سار بهم في غير مسير ولا مذهب.
قالت البكرية: أبو بكر نص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة، ورضيته الأمة للدنيا، وكان عند النبي صلى الله عليه وسلم بتلك المنزلة العليا، والمحبة الخالصة. وولي فعدل، واختار فأجاد، إلا أنه أوهم في عمر فإنه أمره غليظ: وفظاظته غلبت. وذكروا معايب، وأما عثمان فلم يخف ما عمل. وكذلك علي. وأما العباس فغير مذكور.
وقالت العمرية: أما أبو بكر ففاضل ضعيف. وعمر إمام عدل قوي بمدح النبي صلى الله عليه وسلم له في حديث الرؤيا والدلو والعبقري كما تقدم (?) . وأما عثمان فخارج عن الطريق: ما اختار واليا، ولا وفى أحداً حقاً، ولا كف أقاربه، ولا اتبع سنن من كان قبله. وأما علي فجريء على الدماء. لقد سمعت في مجالس أن ابن جريج (?) . كان يقدم