(ثُمَّ وَقَفَ وَوَقَفَ مَعَهُ النَّاسُ وَدَعَا) لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَفَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَدْعُو حَتَّى رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «فَاسْتُجِيبَ لَهُ دُعَاؤُهُ لِأُمَّتِهِ حَتَّى الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ» ثُمَّ هَذَا الْوُقُوفُ وَاجِبٌ عِنْدَنَا وَلَيْسَ بِرُكْنٍ، حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ يَلْزَمُهُ الدَّمُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّهُ رُكْنٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] وَبِمِثْلِهِ تَثْبُتُ الرُّكْنِيَّةُ. وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِاللَّيْلِ، وَلَوْ كَانَ رُكْنًا لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ، وَالْمَذْكُورُ فِيمَا تَلَا الذِّكْرُ وَهُوَ لَيْسَ بِرُكْنٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا الْوُجُوبَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ وَقَفَ مَعَنَا هَذَا الْمَوْقِفَ وَقَدْ كَانَ أَفَاضَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عَرَفَاتٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» عَلَّقَ بِهِ تَمَامَ الْحَجِّ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَدْلُولُ قَوْلُهُ وَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ يُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ الْفَجْرَ بِغَلَسٍ. وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّ تَقْرِيرَهُ فِي التَّغْلِيسِ دَفْعُ حَاجَةِ الْوُقُوفِ، وَدَفْعُ الْحَاجَةِ يَجُوزُ التَّقْدِيمُ كَتَقْدِيمِ الْعَصْرِ بِعَرَفَةَ وَتَقْدِيمِ الْعَصْرِ كَانَ عَلَى وَقْتِهِ، فَيَكُونُ هَاهُنَا كَذَلِكَ تَصْحِيحًا لِلتَّشْبِيهِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَطْلُوبِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الرَّاوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْهُ فِي صَحِيحِهِ أَنَّهُ قَالَ: «خَرَجْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ إلَى مَكَّةَ ثُمَّ قَدِمْنَا جَمْعًا فَصَلَّى الصَّلَاتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ وَقَائِلٌ يَقُولُ لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ» . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ وَقْتِهَا قَبْلَ وَقْتِهَا الْمُسْتَحَبِّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الرَّاوِيَ لَا يَعْمَلُ عَلَى خِلَافِ مَا رُوِيَ. وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ «فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ الصُّبْحُ» وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ مَعْنَاهُ: لَمَّا جَازَ تَعْجِيلُ الْعَصْرِ عَلَى وَقْتِهَا لِلْحَاجَةِ إلَى الْوُقُوفِ بَعْدَهَا فَلَأَنْ يَجُوزَ التَّغْلِيسُ بِالْفَجْرِ وَهِيَ فِي وَقْتِهَا أَوْلَى.
وَقَوْلُهُ (ثُمَّ وَقَفَ وَوَقَفَ مَعَهُ النَّاسُ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (حَتَّى الدِّمَاءُ وَالْمَظَالِمُ) بِالرَّفْعِ: أَيْ حَتَّى يَدْخُلَ فِي الْمُسْتَجَابِ بِأَنْ يَرْضَى الْخُصُومُ بِالِازْدِيَادِ فِي مَثُوبَاتِهِمْ حَتَّى يَتْرُكُوا خُصُومَاتِهِمْ فِي الدِّمَاءِ وَالْمَظَالِمِ. وَقَوْلُهُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّهُ رُكْنٌ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَنِسْبَةُ هَذَا الْقَوْلِ إلَيْهِ سَهْوٌ وَقَعَ مِنْ الْكَاتِبِ لِمَا أَنَّهُ ذَكَرَ فِي كُتُبِهِمْ أَنَّ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ سُنَّةٌ. وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَكَانَ الشَّافِعِيِّ، وَذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ عَلْقَمَةَ مَكَانَ الشَّافِعِيِّ، وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَالِكًا مَكَانَ الشَّافِعِيِّ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى نَقْلٍ مِنْ مَذْهَبِهِ وَاسْتَدَلَّ (بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198] وَبِمِثْلِهِ تَثْبُتُ الرُّكْنِيَّةُ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالذِّكْرِ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فِيهِ إلَّا بَعْدَ حُضُورِهِ وَالْوُقُوفِ فِيهِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ (وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِاللَّيْلِ» ، وَلَوْ كَانَ رُكْنًا لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ) لِأَنَّ مَا هُوَ رُكْنٌ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لِعُذْرٍ. وَقَوْلُهُ (وَالْمَذْكُورُ فِيمَا تَلَا الذِّكْرَ) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِهِ بِالْآيَةِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الْآيَةِ وَهُوَ الذِّكْرُ لَيْسَ بِرُكْنٍ بِالْإِجْمَاعِ، فَكَذَا مَا كَانَ وَسِيلَةً إلَيْهِ وَهُوَ الْحُضُورُ وَالْوُقُوفُ. وَقَوْلُهُ (وَإِنَّمَا عَرَفْنَا)