لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَدَّاهَا فِي وَقْتِهَا فَلَا تَجِبُ إعَادَتُهَا كَمَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، إلَّا أَنَّ التَّأْخِيرَ مِنْ السُّنَّةِ فَيَصِيرُ مُسِيئًا بِتَرْكِهِ. وَلَهُمَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِأُسَامَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ: الصَّلَاةُ أَمَامَك» مَعْنَاهُ: وَقْتُ الصَّلَاةِ. وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّأْخِيرَ وَاجِبٌ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لِيُمْكِنَهُ الْجَمْعَ بَيْن الصَّلَاتَيْنِ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَكَانَ عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّاهَا بِعَرَفَاتٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي الطَّرِيقِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا (لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَدَّاهَا فِي وَقْتِهَا) وَمَنْ أَدَّى صَلَاةً فِي وَقْتِهَا (لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا كَمَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَّا أَنَّ التَّأْخِيرَ مِنْ السُّنَّةِ فَيَصِيرُ مُسِيئًا بِتَرْكِهِ. وَلَهُمَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حِينَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ وَمَالَ إلَى الشِّعْبِ فَقَضَى حَاجَتَهُ وَتَوَضَّأَ، وَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي الصَّلَاةَ أَمَامَك» يَعْنِي وَقْتُ الصَّلَاةِ أَمَامَك، لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِعْلُ الْمُصَلِّي فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ أَمَامَهُ وَلَكِنَّهَا تُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا الْوَقْتُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ} [مريم: 59] وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ مَعْنَاهُ: مَكَانُ الصَّلَاةِ أَمَامَك وَهُوَ مُزْدَلِفَةُ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْحَالِ وَإِرَادَةِ الْمَحَلِّ.
(وَهَذَا) أَيْ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّأْخِيرَ وَاجِبٌ) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ مَعْنَاهُ الْقَضَاءَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَتَفْوِيتُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ فَضْلًا عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيَجِبُ النَّظَرُ فِي سَبَبِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اتِّصَالُ السَّيْرِ أَوْ إمْكَانُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ، لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ مَيْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى الشِّعْبِ وَقَضَاءَ حَاجَتِهِ يَأْبَاهُ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي، فَمَهْمَا كَانَ مُمْكِنًا لَا يُصَارُ إلَى غَيْرِهِ، وَالْإِمْكَانُ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ مَا لَمْ يَطْلُعْ، وَأَمَّا إذَا طَلَعَ فَقَدْ فَاتَ الْإِمْكَانُ فَسَقَطَتْ الْإِعَادَةُ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ الْآحَادِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَبْطُلَ بِهِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]