(وَقَضَاءُ رَمَضَانَ إنْ شَاءَ فَرَّقَهُ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَهُ) لِإِطْلَاقِ النَّصِّ، لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ الْمُتَابَعَةُ مُسَارَعَةً إلَى إسْقَاطِ الْوَاجِبِ (وَإِنْ أَخَّرَهُ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ صَامَ الثَّانِيَ) لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ (وَقَضَى الْأَوَّلَ بَعْدَهُ) لِأَنَّهُ وَقْتُ الْقَضَاءِ (وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوُجُوبِ أَوْ مِثْلُهُ وَهُوَ الْخِطَابُ، وَهَذَا مِنْ مَزَالِّ الْأَقْدَامِ فَلَا تُغْفَلُ. وَعَنْ الثَّانِي: بِأَنَّ جُزْءَ السَّبَبِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي كُلِّ الْحُكْمِ وَإِلَّا لَكَانَ هُوَ الْعِلَّةَ فَمَا فَرَضْنَاهُ جُزْءًا لَا يَكُونُ جُزْءًا هَذَا خَلَفٌ بَاطِلٌ. وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ جُزْءًا لِسَبَبِ عِلَّةٍ تَامَّةٍ لِبَعْضِ الْحُكْمِ فَلَا مَانِعَ عَنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ بِالْقَدْرِ وَالْجِنْسِ يَحْرُمُ الْفَضْلُ وَالنَّسِيئَةُ، وَأَحَدُهُمَا يُحَرِّمُ النَّسِيئَةَ، وَكُلُّ ذَلِكَ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ مُسْتَوْفًى.
قَالَ (وَقَضَاءُ رَمَضَانَ إنْ شَاءَ فَرَّقَهُ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَهُ) الصَّوْمُ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ اللَّهِ ثَمَانِيَةٌ: أَرْبَعَةٌ مِنْهَا مُتَتَابِعَةٌ، وَأَرْبَعَةٌ صَاحِبُهَا فِيهَا بِالْخِيَارِ، أَمَّا الْمُتَتَابِعُ فَصَوْمُ رَمَضَانَ وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ عِنْدَنَا، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَقَضَاءُ رَمَضَانَ وَصَوْمُ الْمُتْعَةِ وَكَفَّارَةِ الْحَلْقِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ. أَمَّا صَوْمُ رَمَضَانَ فَلَا كَلَامَ لِأَحَدٍ فِي وُجُوبِ التَّتَابُعِ فِيهِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَقَدْ ضَبَطَهُ الْمَشَايِخُ بِأَنَّ كُلَّ مَا شُرِعَ فِيهِ الْعِتْقُ كَانَ التَّتَابُعُ فِيهِ وَاجِبًا، وَمَا لَا فَلَا فَيَكُونُ قَضَاءُ رَمَضَانَ مِمَّا فِيهِ لِمَنْ عَلَيْهِ الْخِيَارُ، وَلِأَنَّ النَّصَّ مُطْلَقٌ وَالْعَمَلَ بِهِ وَاجِبٌ. وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ، وَالتَّتَابُعُ وَاجِبٌ فِي الْأَدَاءِ، فَكَانَ مُغْنِيًا عَنْ تَقْيِيدِ نَصِّ الْقَضَاءِ. وَالثَّانِي أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَرَأَ " فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَاتٍ " فَهَلَّا اعْتَبَرْتُمْ قِرَاءَتَهُ مُقَيَّدَةً كَمَا فَعَلْتُمْ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ؟ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْأَمْرَ لَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرْتُمْ لَمَا «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ تَقْطِيعِ قَضَاءِ رَمَضَانَ ذَلِكَ إلَيْك، أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أَحَدِكُمْ دَيْنٌ فَقَضَاهُ الدِّرْهَمَ وَالدِّرْهَمَيْنِ أَلَمْ يَكُنْ قَضَاءً قَالَ: نَعَمْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: فَاَللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يَعْفُوَ وَيَغْفِرَ» فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَعْلَمَ بِذَلِكَ. وَعَنْ الثَّانِي: مَا قِيلَ إنَّ قِرَاءَةَ أُبَيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ تَشْتَهِرْ اشْتِهَارَ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَكَانَ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَا يُزَادُ بِهِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ. قَوْلُهُ (لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ الْمُتَابَعَةُ) أَيْ التَّتَابُعُ (مُسَارَعَةً إلَى إسْقَاطِ الْوَاجِبِ، وَإِنْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ صَامَ الثَّانِي لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ وَقَضَى الْأَوَّلَ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْقَضَاءِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنَّهُ يُوجِبُ مَعَ الْقَضَاءِ لِكُلِّ يَوْمٍ طَعَامَ مِسْكِينٍ، وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَيَقُولُ: الْقَضَاءُ مُؤَقَّتٌ بِمَا بَيْنَ رَمَضَانَيْنِ، مُسْتَدِلًّا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - " أَنَّهَا كَانَتْ تُؤَخِّرُ قَضَاءَ أَيَّامِ الْحَيْضِ إلَى شَعْبَانَ " وَهَذَا بَيَانٌ مِنْهَا لِآخِرِ وَقْتٍ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ إلَيْهِ. ثُمَّ يَجْعَلُ تَأْخِيرَ الْقَضَاءِ عَنْ وَقْتِهِ كَتَأْخِيرِ الْأَدَاءِ عَنْ وَقْتِهِ، وَتَأْخِيرُ الْأَدَاءِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ مُوجِبٍ فَكَذَا تَأْخِيرُ الْقَضَاءِ، وَهَذَا كَمَا تَرَى لَيْسَ فِيهِ مَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا الْقَضَاءَ إلَى شَعْبَانَ قَدْ يَكُونُ اتِّفَاقِيًّا، وَلَوْ سُلِّمَ ذَلِكَ فَإِيجَابُ الْفِدْيَةِ لَا أَصْلَ لَهُ، لِأَنَّهُ لَا فِدْيَةَ