الْعُشْرَ أَوْ نِصْفَ الْعُشْرِ نَأْخُذُ بِقَدَرِهِ، وَإِنْ كَانُوا يَأْخُذُونَ الْكُلَّ لَا نَأْخُذُ الْكُلَّ) ؛ لِأَنَّهُ غَدْرٌ (وَإِنْ كَانُوا لَا يَأْخُذُونَ أَصْلًا لَا نَأْخُذُ) لِيَتْرُكُوا الْأَخْذَ مِنْ تُجَّارِنَا وَلِأَنَّا أَحَقُّ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ.

قَالَ (وَإِنْ مَرَّ حَرْبِيٌّ عَلَى عَاشِرٍ فَعَشَرَهُ ثُمَّ مَرَّ مَرَّةً أُخْرَى لَمْ يَعْشُرْهُ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ) ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ اسْتِئْصَالُ الْمَالِ وَحَقُّ الْأَخْذِ لِحِفْظِهِ، وَلِأَنَّ حُكْمَ الْأَمَانِ الْأَوَّلِ بَاقٍ، وَبَعْدَ الْحَوْلِ يَتَجَدَّدُ الْأَمَانُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ إلَّا حَوْلًا، وَالْأَخْذُ بَعْدَهُ لَا يَسْتَأْصِلُ الْمَالَ (فَإِنْ عَشَرَهُ فَرَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ عَشَرَهُ أَيْضًا) ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ بِأَمَانٍ جَدِيدٍ.

وَكَذَا الْأَخْذُ بَعْدَهُ لَا يُفْضِي إلَى الِاسْتِئْصَالِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQيُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ.

وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ غَدْرٌ) أَيْ لِوُقُوعِهِ بَعْدَ الْحِمَايَةِ وَالْغَدْرُ حَرَامٌ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ» وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤْخَذُ مِنْهُ جَمِيعُ مَا فِي يَدِهِ إلَّا قَدْرُ مَا يُبَلِّغُهُ مَأْمَنَهُ، لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِتَبْلِيغِهِ مَأْمَنَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6] وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤْخَذُ مِنْهُ الْكُلُّ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ فَيُجَازِيهِمْ بِمِثْلِ صَنِيعِهِمْ لِيَنْزَجِرُوا.

وَقَوْلُهُ (وَإِنْ مَرَّ حَرْبِيٌّ عَلَى عَاشِرٍ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْعُشْرَ إنَّمَا يَتَكَرَّرُ فِيمَا يَمُرُّ بِهِ بِكَمَالِ الْحَوْلِ أَوْ بِتَجْدِيدِ الْعَهْدِ بِالرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ بِالْمُرُورِ عَلَى الْعَاشِرِ، وَإِنْ كَانَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْهُمَا لَمْ يُعَشِّرْهُ ثَانِيًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ نَصْرَانِيًّا مَرَّ بِفَرَسٍ لَهُ عَلَى عَاشِرِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَعَشَّرَهُ، ثُمَّ مَرَّ بِهِ ثَانِيًا فَهَمَّ أَنْ يُعَشِّرَهُ فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: كُلَّمَا مَرَرْت بِكَ عَشَّرْتَنِي إذًا يَذْهَبُ فَرَسِي كُلُّهُ؟ فَتَرَكَ الْفَرَسَ عِنْدَهُ وَذَهَبَ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ أَتَى الْمَسْجِدَ فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى عَتَبَتَيْ الْبَابِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا الشَّيْخُ النَّصْرَانِيُّ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَا الشَّيْخُ الْحَنِيفِيُّ، فَقَصَّ النَّصْرَانِيُّ الْقِصَّةَ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَتَاك الْغَوْثُ فَنَكَّسَ رَأْسَهُ، وَرَجَعَ إلَى مَا كَانَ فِيهِ، فَظَنَّ النَّصْرَانِيُّ أَنَّهُ اسْتَخَفَّ بِظُلَامَتِهِ فَرَجَعَ كَالْخَائِبِ، فَلَمَّا انْتَهَى إلَى فَرَسِهِ وَجَدَ كِتَابَ عُمَرَ قَدْ سَبَقَهُ إنَّك إنْ أَخَذْت الْعُشْرَ مَرَّةً فَلَا تَأْخُذْهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: إنَّ دِينًا يَكُونُ الْعَدْلُ فِيهِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَحَقِيقٌ أَنْ يَكُونَ حَقًّا فَأَسْلَمَ. فَإِنْ قِيلَ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُتَنَاقِضٌ لِأَنَّهُ قَالَ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ، ثُمَّ قَالَ لَا يُمْكِنُ مِنْ الْمَقَامِ إلَّا حَوْلًا، وَالْمُرَادُ بِهِ إلَّا قَرِيبًا مِنْ الْحَوْلِ لِأَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ حَوْلًا كَامِلًا. أُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ حَتَّى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015