كَتَبَ إلَى مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ خُذْ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَمِنْ كُلِّ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنْ ذَهَبٍ نِصْفَ مِثْقَالٍ» . قَالَ (وَلَا شَيْءَ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَيَكُونُ فِيهَا دِرْهَمٌ ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: مَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَزَكَاتُهُ بِحِسَابِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ عَلِيِّ «وَمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَبِحِسَابِهِ» وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْمَالِ، وَاشْتِرَاطُ النِّصَابِ فِي الِابْتِدَاءِ لَتَحَقُّق الْغِنَى وَبَعْدَ النِّصَابِ فِي السَّوَائِمِ تَحَرُّزًا عَنْ التَّشْقِيصِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ «لَا تَأْخُذْ مِنْ الْكُسُورِ شَيْئًا»
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (فَيَكُونُ فِيهَا دِرْهَمٌ) يَعْنِي مَعَ الْخَمْسَةِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ مَعَ مَا سَبَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَ: مَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَزَكَاتُهُ بِحِسَابِهِ قُلْت الزِّيَادَةُ أَوْ كَثُرَتْ. حَتَّى إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ دِرْهَمًا فَفِيهِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَزَكَاتُهُ بِحِسَابِهِ» وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ شُكْرًا لِنِعْمَةِ الْمَالِ وَالْكُلُّ مَالٌ. فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَامَ شُرِطَ النِّصَابُ فِي الِابْتِدَاءِ؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ لِيَتَحَقَّقَ الْغِنَى لِيَصِيرَ الْمُكَلَّفُ بِهِ أَهْلًا لِلْإِغْنَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ اشْتِرَاطُهُ لِذَلِكَ لَمَا شُرِطَ فِي السَّوَائِمِ فِي الِانْتِهَاءِ كَمَا شُرِطَ فِي الِابْتِدَاءِ.
أَجَابَ بِقَوْلِهِ تَحَرُّزًا عَنْ التَّشْقِيصِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ حِينَ وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ: لَا تَأْخُذْ مِنْ الْكُسُورِ شَيْئًا» قِيلَ مَعْنَاهُ: لَا تَأْخُذْ مِنْ الشَّيْءِ الَّذِي يَكُونُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ كُسُورًا فَسَمَّاهُ كُسُورًا بِاعْتِبَارِ مَا وَجَبَ.