(وَمَنْ صَلَّى فِي السَّفِينَةِ قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْقِيَامُ أَفْضَلُ. وَقَالَا: لَا يُجْزِئُهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ) ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فَلَا يُتْرَكُ إلَّا لِعِلَّةٍ. وَلَهُ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا دَوَرَانُ الرَّأْسِ وَهُوَ كَالْمُتَحَقِّقِ، إلَّا أَنَّ الْقِيَامَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ، وَالْخُرُوجُ أَفْضَلُ إنْ أَمْكَنَهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْكَنُ لِقَلْبِهِ، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْمَرْبُوطَةِ وَالْمَرْبُوطَةُ كَالشَّطِّ هُوَ الصَّحِيحُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِيَةَ قَائِمًا فَإِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ جَائِزَةٌ مَعَ صِفَةِ الْكَرَاهَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قُعُودَهُ إذَا كَانَ لِإِعْيَائِهِ فَذَلِكَ قُعُودٌ بِعُذْرٍ، وَالْكَلَامُ لَيْصَ فِيهِ بَلْ يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ مَكْرُوهًا، وَكَذَا إنْ تَرَكَ ذِكْرَ الْإِعْيَاءِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَمَا قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَثْبُتَ بِالنَّقْلِ أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ بِالِاتِّفَاقِ، لَا يَجُوزُ بِإِطْلَاقِهِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ فَهُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ بِالِاتِّفَاقِ يُخَالِفُ قَوْلَهُ قُبَيْلَ هَذَا لَوْ قَعَدَ يَجُوزُ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرِ كَرَاهَةٍ، وَكَذَا يُخَالِفُ إطْلَاقَ مَا ذُكِرَ فِي بَابِ النَّوَافِلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ذَكَرَ فِي مَبْسُوطِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَجَامِعِ أَبِي الْمُعِينِ أَنَّهُ لَوْ قَعَدَ فِي النَّفْلِ لَا يُكْرَهُ عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَشْرُوعٌ بِلَا كَرَاهَةٍ، فَالْبَقَاءُ أَوْلَى لِأَنَّ حُكْمَ الْبَقَاءِ أَسْهَلُ مِنْ حُكْمِ الِابْتِدَاءِ. فَقَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ثَمَّةَ غَيْرَ صَحِيحٍ، فَالْإِطْلَاقُ هَاهُنَا وَفِي بَابِ النَّوَافِلِ يَكُونُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَوْلُهُ وَيُكْرَهُ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى غَيْرِ الصَّحِيحِ، وَلَعَلَّ قَوْلَهُ بِالِاتِّفَاقِ وَقَعَ سَهْوًا مِنْ الْكَاتِبِ.
قَالَ (وَمَنْ صَلَّى فِي السَّفِينَةِ قَاعِدًا) الْمُصَلِّي فِي السَّفِينَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَاجِزًا عَنْ الْقِيَامِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ: فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ السَّفِينَةُ رَأْسِيَّةً أَوْ سَائِرَةً، فَإِنْ كَانَتْ رَأْسِيَّةً لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ قَاعِدًا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَتْ سَائِرَةً جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَالْقِيَامُ أَفْضَلُ، وَقَالَا: لَا يَجُوزُ) وَهُوَ الْقِيَاسُ (لِأَنَّ الْقِيَامَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ) وَالْمَقْدُورُ عَلَيْهِ لَا يُتْرَكُ (وَلَهُ) وَهُوَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ (أَنَّ الْغَالِبَ) مِنْ حَالِ رَاكِبِ السَّفِينَةِ (دَوَرَانُ الرَّأْسِ) عِنْدَ الْقِيَامِ وَالْغَالِبِ كَالْمُتَحَقِّقِ، أَلَا تَرَى أَنَّ نَوْمَ الْمُضْطَجِعِ جُعِلَ حَدَثًا لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ شَيْءٌ لِزَوَالِ الِاسْتِمْسَاكِ (إلَّا أَنَّ الْقِيَامَ أَفْضَلُ لِبُعْدِهِ عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ كَيْفَمَا دَارَتْ السَّفِينَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ أَوْ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ التَّوَجُّهَ فَرْضٌ عِنْدَ الْقُدْرَةِ. وَهَذَا قَادِرٌ وَالْخُرُوجُ أَفْضَلُ إنْ أَمْكَنَهُ لِأَنَّهُ أَسْكَنُ لِقَلْبِهِ، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْمَرْبُوطَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا آنِفًا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ رَأْسِيَّةً لَمْ يُجْزِهِ الْقُعُودُ بِالِاتِّفَاقِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (وَالْمَرْبُوطَةُ كَالشَّطِّ) وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ فَإِنَّهُ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ،