وَلَا يُحَدُّ أَيْضًا بِالْإِشَارَةِ فِي الْقَذْفِ لِانْعِدَامِ الْقَذْفِ صَرِيحًا وَهُوَ الشَّرْطُ. ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ أَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ بِبَيَانٍ فِيهِ شُبْهَةٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ أَوْ أَقَرَّ بِالْوَطْءِ الْحَرَامِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ، وَلَوْ شَهِدُوا بِالْقَتْلِ الْمُطْلَقِ أَوْ أَقَرَّ بِمُطْلَقِ الْقَتْلِ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَفْظُ التَّعَمُّدِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِيهِ مَعْنَى الْعِوَضِيَّةِ لِأَنَّهُ شُرِعَ جَابِرًا فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ مَعَ الشُّبْهَةِ كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي هِيَ حَقُّ الْعَبْدِ.

أَمَّا الْحُدُودُ الْخَالِصَةُ لِلَّهِ تَعَالَى فَشُرِعَتْ زَوَاجِرَ وَلَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْعِوَضِيَّةِ فَلَا تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ.

وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّ الْكِتَابَ مِنْ الْغَائِبِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي قِصَاصٍ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ هُنَا كَذَلِكَ فَيَكُونُ فِيهِمَا رِوَايَتَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُفَارِقًا لِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَى نُطْقِ الْغَائِبِ فِي الْجُمْلَةِ لِقِيَامِ أَهْلِيَّةِ النُّطْقِ، وَلَا كَذَلِكَ الْأَخْرَسُ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى النُّطْقِ لِلْآفَةِ الْمَانِعَةِ، وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْإِشَارَةَ مُعْتَبَرَةٌ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكِتَابَةِ، بِخِلَافِ مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ الْإِشَارَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ: بِفِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلِ كَالتَّعَاطِي.

وَقَوْلُهُ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ هُنَا كَذَلِكَ) أَيْ: لَا يَكُونُ حُجَّةً (فَيَكُونُ فِيهِمَا) أَيْ: فِي الْأَخْرَسِ وَالْغَائِبِ الْغَيْرِ الْأَخْرَسِ رِوَايَتَانِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ) أَيْ: الْإِشَارَةَ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015