الْجُسُورُ الْعَامَّةُ وَمَالُ بَيْتِ الْمَالِ مَالُ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ.
(وَلَوْ وُجِدَ فِي السُّوقِ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا) فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ عَلَى السُّكَّانِ وَعِنْدَهُمَا عَلَى الْمَالِكِ، (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا كَالشَّوَارِعِ الْعَامَّةِ الَّتِي بُنِيَتْ فِيهَا فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ (وَلَوْ وُجِدَ فِي السَّجْنِ فَالدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ السَّجْنِ) لِأَنَّهُمْ سُكَّانٌ وَوِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَيْهِمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ مِنْهُمْ، وَهُمَا يَقُولَانِ: إنَّ أَهْلَ السَّجْنِ مَقْهُورُونَ فَلَا يَتَنَاصَرُونَ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ مَا يَجِبُ لِأَجْلِ النُّصْرَةِ، وَلِأَنَّهُ بُنِيَ لِاسْتِيفَاءِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا كَانَ غُنْمُهُ يَعُودُ إلَيْهِمْ فَغُرْمُهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ. قَالُوا: وَهَذِهِ فُرَيْعَةُ الْمَالِكِ وَالسَّاكِنِ وَهِيَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.
قَالَ (وَإِنْ وُجِدَ فِي بَرِيَّةٍ لَيْسَ بِقُرْبِهَا عِمَارَةٌ فَهُوَ هَدَرٌ) وَتَفْسِيرُ الْقُرْبِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ اسْتِمَاعِ الصَّوْتِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُوصَفُ أَحَدٌ بِالتَّقْصِيرِ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لِأَحَدٍ. أَمَّا إذَا كَانَتْ فَالدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ (وَإِنْ وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ كَانَ عَلَى أَقْرَبِهِمَا) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ.
(وَإِنْ وُجِدَ فِي وَسَطِ الْفُرَاتِ يَمُرُّ بِهِ الْمَاءُ فَهُوَ هَدَرٌ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ وَلَا فِي مِلْكِهِ (وَإِنْ كَانَ مُحْتَبَسًا بِالشَّاطِئِ فَهُوَ عَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ) عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ اخْتَصَّ بِنُصْرَةِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَهُوَ كَالْمَوْضُوعِ عَلَى الشَّطِّ وَالشَّطُّ فِي يَدِ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَسْتَقُونَ مِنْهُ الْمَاءَ وَيُورِدُونَ بَهَائِمَهُمْ فِيهَا، بِخِلَافِ النَّهْرِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ لِاخْتِصَاصِ أَهْلِهَا بِهِ لِقِيَامِ يَدِهِمْ عَلَيْهِ فَتَكُونُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ.
قَالَ (وَإِنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِعَيْنِهِ لَمْ تَسْقُطْ الْقَسَامَةُ عَنْهُمْ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَذَكَرْنَا فِيهِ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ. قَالَ (وَإِنْ ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ سَقَطَتْ عَنْهُمْ) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَوَجْهُ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ وُجُوبَ الْقَسَامَةِ عَلَيْهِمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ مِنْهُمْ فَتَعْيِينُهُ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ مِنْهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَ مِنْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ ذَلِكَ بَيَانُ أَنَّ الْقَاتِلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ (فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ عَلَى السُّكَّانِ) أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ السُّكَّانُ مُلَّاكًا أَوْ غَيْرَ مُلَّاكٍ. وَقَوْلُهُ (كَالشَّوَارِعِ الْعَامَّةِ الَّتِي بُنِيَتْ فِيهَا فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنْ يَكُونَ نَائِبًا عَنْ الْمَحَالِّ، أَمَّا الْأَسْوَاقُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمَحَالِّ فَهِيَ مَحْفُوظَةٌ بِحِفْظِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَتَكُونُ الْقَسَامَةُ، وَالدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ، وَكَذَا فِي السُّوقِ النَّائِي إذَا كَانَ مَنْ يَسْكُنُهَا فِي اللَّيَالِي أَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ فِيهَا دَارٌ مَمْلُوكَةٌ تَكُونُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ صِيَانَةُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَيُوصَفُ بِالتَّقْصِيرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مُوجِبُ التَّقْصِيرِ
وَقَوْلُهُ (وَقَدْ بَيَّنَّاهُ) يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ: وَإِنْ مَرَّتْ دَابَّةٌ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ وَعَلَيْهَا قَتِيلٌ.
وَقَوْلُهُ (وَإِنْ وُجِدَ فِي وَسَطِ الْفُرَاتِ) يُرِيدُ بِهِ الْفُرَاتَ وَكُلَّ نَهْرٍ عَظِيمٍ لِعَدَمِ خُصُوصِيَّةِ الْفُرَاتِ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْوَسَطَ لَيْسَ لِلتَّخْصِيصِ بَلْ الْمَاءُ مَا دَامَ جَارِيًا بِالْقَتِيلِ كَانَ حُكْمُ الشَّطِّ كَحُكْمِ الْوَسَطِ. قَالُوا: هَذَا إذَا كَانَ مَوْضِعُ انْبِعَاثِ الْمَاءِ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ يَكُونُ هَذَا قَتِيلَ دَارِ الشِّرْكِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَوْضِعُ انْبِعَاثِ الْمَاءِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ انْبِعَاثِ الْمَاءِ فِي يَدِ الْمُسْلِمِينَ فَسَوَاءٌ كَانَ قَتِيلَ مَكَانِ الِانْبِعَاثِ أَوْ مَكَان آخَرَ دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ قَتِيلُ الْمُسْلِمِينَ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى التَّفْسِيرِ الَّذِي تَقَدَّمَ) أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ قِيلَ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَبْلُغُ أَهْلَهُ الصَّوْتُ.
وَقَوْلُهُ (لَمْ تَسْقُطْ الْقَسَامَةُ عَنْهُمْ) يَعْنِي وَالدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ وَقَوْلُهُ (وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَى عَلَى الْبَعْضِ بِأَعْيَانِهِمْ أَنَّهُ قَتَلَ وَلِيَّهُ إلَخْ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ) يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ.