إنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَوْتَ يَحْصُلُ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ أَوْ لَا يَدْرِي
قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ: يَضْمَنُ الثَّانِي مَا نَقَصَتْهُ جِرَاحَتُهُ ثُمَّ يُضَمِّنُهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِجِرَاحَتَيْنِ ثُمَّ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَةِ لَحْمِهِ
أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ جَرَحَ حَيَوَانًا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ وَقَدْ نَقَصَهُ فَيَضْمَنُ مَا نَقَصَهُ أَوَّلًا
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِالْجِرَاحَتَيْنِ فَيَكُونُ هُوَ مُتْلِفًا نِصْفَهُ وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِغَيْرِهِ فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَجْرُوحًا بِالْجِرَاحَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى مَا كَانَتْ بِصُنْعِهِ، وَالثَّانِيَةُ ضَمِنَهَا مَرَّةً فَلَا يَضْمَنُهَا ثَانِيًا
وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ بِالرَّمْيِ الْأَوَّلِ صَارَ بِحَالٍ يَحِلُّ بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ لَوْلَا رَمْيُ الثَّانِي، فَهَذَا بِالرَّمْيِ الثَّانِي أَفْسَدَ عَلَيْهِ نِصْفَ اللَّحْمِ فَيَضْمَنُهُ، وَلَا يَضْمَنُ النِّصْفَ الْآخَرَ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَهُ مَرَّةً فَدَخَلَ ضَمَانُ اللَّحْمِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ رَمَاهُ الْأَوَّلُ ثَانِيًا فَالْجَوَابُ فِي حُكْمِ الْإِبَاحَةِ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّامِي غَيْرَهُ، وَيَصِيرُ كَمَا إذَا رَمَى صَيْدًا عَلَى قِمَّةِ جَبَلٍ فَأَثْخَنَهُ ثُمَّ رَمَاهُ ثَانِيًا فَأَنْزَلَهُ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ مُحَرَّمٌ، كَذَا هَذَا.
قَالَ (وَيَجُوزُ اصْطِيَادُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَمَا لَا يُؤْكَلُ) لِإِطْلَاقِ مَا تَلُونَا
وَالصَّيْدُ لَا يَخْتَصُّ بِمَأْكُولِ اللَّحْمِ
قَالَ قَائِلُهُمْ:
صَيْدُ الْمُلُوكِ أَرَانِب وَثَعَالِب ... وَإِذَا رَكِبْتُ فَصَيْدِي الْأَبْطَالُ
وَلِأَنَّ صَيْدَهُ سَبَبٌ لِلِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ رِيشَةِ أَوْ لِاسْتِدْفَاعِ شَرِّهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ (وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ أَوْ لَا يَدْرِي قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ إلَخْ) بَيَانٌ لِحُكْمِ الضَّمَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْحِلِّ. وَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّ إحْدَى الرَّمْيَتَيْنِ تَعَلَّقَ بِهَا حَظْرٌ وَالْأُخْرَى تَعَلَّقَ بِهَا الْإِبَاحَةُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْ ضَمَانِ اللَّحْمِ، وَإِنَّمَا كَانَ حُكْمُ صُوَرِهِ الْجَهَالَةَ وَهِيَ أَنْ لَا يَدْرِيَ أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِأَيِّهِمَا كَصُورَةِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ سَبَبٌ لِلْقَتْلِ ظَاهِرًا فَيُضَافُ إلَيْهِمَا.
قِيلَ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ ضَمَانُ نُقْصَانِ الْجِرَاحَةِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ ضَمَانِ نِصْفِ الْقِيمَةِ، وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ ضَمَانَ نُقْصَانِ الْجِرَاحَةِ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبٍ قَبْلَ سَبَبِ ضَمَانِ نِصْفِ الْقِيمَةِ فَكَيْفَ يَدْخُلُ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ رَمَاهُ الْأَوَّلُ ثَانِيًا) يَعْنِي أَنَّ مَا تَقَدَّمَ كَانَ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّامِي الثَّانِي غَيْرَ الرَّامِي الْأَوَّلِ، وَهَذَا فِيمَا إذَا رَمَاهُ الْأَوَّلُ ثَانِيًا. قَوْلُهُ (فَالْجَوَابُ فِي حُكْمِ الْإِبَاحَةِ إلَخْ) يَعْنِي لَا فِي حُكْمِ الضَّمَانِ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَضْمَنُ مِلْكَ نَفْسِهِ بِفِعْلِهِ لِنَفْسِهِ، وَالْبَاقِي وَاضِحٌ