مِنْهَا وَادَّخِرُوا» وَمَتَى جَازَ أَكْلُهُ وَهُوَ غَنِيٌّ جَازَ أَنْ يُؤَكِّلَهُ غَنِيًّا
قَالَ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ الصَّدَقَةَ عَنْ الثُّلُثِ) لِأَنَّ الْجِهَاتِ ثَلَاثَةٌ: الْأَكْلُ وَالِادِّخَارُ لِمَا رَوَيْنَا، وَالْإِطْعَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى " {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا
قَالَ (وَيَتَصَدَّقُ بِجِلْدِهَا) لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا (أَوْ يَعْمَلُ مِنْهُ آلَةً تُسْتَعْمَلُ فِي الْبَيْتِ) كَالنِّطْعِ وَالْجِرَابِ وَالْغِرْبَالِ وَنَحْوِهَا، لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ فِي الْبَيْتِ مَعَ بَقَائِهِ) اسْتِحْسَانًا، وَذَلِكَ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ لِلْبَدَلِ حُكْمَ الْمُبْدَلِ، (وَلَا يَشْتَرِي بِهِ مَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ كَالْخَلِّ وَالْأَبَازِيرِ) اعْتِبَارًا بِالْبَيْعِ بِالدَّرَاهِمِ.
وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ، وَاللَّحْمُ بِمَنْزِلَةِ الْجِلْدِ فِي الصَّحِيحِ، فَلَوْ بَاعَ الْجِلْدَ أَوْ اللَّحْمَ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ بِمَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ، لِأَنَّ الْقُرْبَةَ انْتَقَلَتْ إلَى بَدَلِهِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ» يُفِيدُ كَرَاهَةَ الْبَيْعِ، الْبَيْعُ جَائِزٌ لِقِيَامِ الْمِلْكِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ
قَالَ (وَلَا يُعْطِي أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَصَدَّقْ بِجِلَالِهَا وَخِطَامِهَا وَلَا تُعْطِ أَجْرَ الْجَزَّارِ مِنْهَا شَيْئًا» وَالنَّهْيُ عَنْهُ نَهْيٌ عَنْ الْبَيْعِ أَيْضًا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ
قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَجُزَّ صُوفَ أُضْحِيَّتِهِ وَيَنْتَفِعَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَهَا) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ إقَامَةَ الْقُرْبَةِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الذَّبْحِ لِأَنَّهُ أُقِيمَتْ الْقُرْبَةُ بِهَا كَمَا فِي الْهَدْيِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَحْلُبَ لَبَنَهَا فَيَنْتَفِعَ بِهِ كَمَا فِي الصُّوفِ.
قَالَ (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَذْبَحَ أُضْحِيَّتَهُ بِيَدِهِ إنْ كَانَ يُحْسِنُ الذَّبْحَ) وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُهُ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ، وَإِذَا اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَهَا بِنَفْسِهِ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قُومِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَك، فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَك بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ»
قَالَ (وَيُكْرَهُ أَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَكُونَ مَنْذُورَةً أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَالْحُكْمُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِهَا وَلَا أَنْ يُطْعِمَ الْأَغْنِيَاءَ لِأَنَّ سَبِيلَهَا التَّصَدُّقُ، وَلَيْسَ لِلْمُتَصَدِّقِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ صَدَقَتِهِ، وَلَوْ أَكَلَ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَ.
وَقَوْلُهُ (لِمَا رَوَيْنَا) يَعْنِي قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَكُلُوا مِنْهَا وَادَّخِرُوا» وَالْقَانِعُ: هُوَ السَّائِلُ، مِنْ الْقَنُوعِ لَا مِنْ الْقَنَاعَةِ، وَالْمُعْتَرُّ: هُوَ الَّذِي يَتَعَرَّضُ لِلسُّؤَالِ وَلَا يَسْأَلُ.
وَقَوْلُهُ (كَالْخَلِّ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ (وَالْأَبَازِيرُ) التَّوَابِلُ جَمْعُ أَبْزَارٍ بِالْفَتْحِ. وَقَوْلُهُ (فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازًا عَمَّا قَبْلُ إنَّهُ لَيْسَ فِي اللَّحْمِ إلَّا الْأَكْلَ وَالْإِطْعَامَ، فَلَوْ بَاعَ بِشَيْءٍ يُنْتَفَعُ بِهِ بِعَيْنِهِ لَا يَجُوزُ، وَالصَّحِيحُ مَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنَّ اللَّحْمَ بِمَنْزِلَةِ الْجِلْدِ، إنْ بَاعَهُ بِشَيْءٍ يُنْتَفَعُ بِهِ بِعَيْنِهِ جَازَ. وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بِاللَّحْمِ ثَوْبًا فَلَا بَأْسَ بِلُبْسِهِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الْقُرْبَةَ انْتَقَلَتْ إلَى بَدَلِهِ) لِأَنَّ تَمَلُّكَ الْبَدَلِ مِنْ حَيْثُ التَّمَوُّلِ سَاقِطٌ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا جِهَةُ الْقُرْبَةِ وَسَبِيلُهَا التَّصَدُّقُ.
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ.
قَوْلُهُ (مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ) ، تَمَامُ الْحَدِيثِ «أَمَّا أَنَّهُ يُجَاءُ بِدَمِهَا