قَالَ (وَلَا يَجُوزُ أَكْلُ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَلَا ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطُّيُورِ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطُّيُورِ وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ» . وَقَوْلُهُ مِنْ السِّبَاعِ ذُكِرَ عَقِيبَ النَّوْعَيْنِ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا فَيَتَنَاوَلُ سِبَاعَ الطُّيُورِ وَالْبَهَائِمِ لِأَكْلِ مَا لَهُ مِخْلَبٌ أَوْ نَابٌ. وَالسَّبُعُ كُلُّ مُخْتَطِفٍ مُنْتَهِبٍ جَارِحٍ قَاتِلٍ عَادٍ عَادَةً. وَمَعْنَى التَّحْرِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَرَامَةُ بَنِي آدَمَ كَيْ لَا يَعْدُوَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ الذَّمِيمَةِ إلَيْهِمْ بِالْأَكْلِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ، فَيَكُونُ الْحَدِيثُ حُجَّةً عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي إبَاحَتِهِمَا، وَالْفِيلُ ذُو نَابٍ فَيُكْرَهُ، وَالْيَرْبُوعُ
فَصْلٌ فِيمَا يُؤْكَلُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ) :
ذَكَرَ هَذَا الْفَصْلَ عَقِيبَ الذَّبَائِحِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ الذَّبَائِحِ وَالْوَسِيلَةُ إلَى الشَّيْءِ تُقَدَّمُ عَلَيْهِ فِي الذِّكْرِ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَوْصَافَ السَّبْعِ لِيَبْنِيَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ (كَيْ لَا يَعْدُوَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ الذَّمِيمَةِ إلَيْهِمْ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاخْتِطَافِ وَالِانْتِهَابِ أَنَّ الِاخْتِطَافَ مِنْ فِعْلِ الطُّيُورِ وَالِانْتِهَابَ مِنْ فِعْلِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ، قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: فَالْمُرَادُ بِذِي الْخَطْفَةِ مَا يَخْطِفُ بِمِخْلَبِهِ مِنْ الْهَوَاءِ كَالْبَازِي وَالْعُقَابِ، وَمِنْ ذِي النُّهْيَةِ مَا يَنْتَهِبُ بِنَابِهِ مِنْ الْأَرْضِ كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ (قَوْلُهُ وَيَدْخُلُ فِي الضَّبُعِ. وَالثَّعْلَبُ) لِأَنَّ لَهُمَا نَابًا يُقَاتِلَانِ بِهِ فَلَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُمَا كَالذِّئْبِ فَيَكُونُ الْحَدِيثُ حُجَّةً عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي إبَاحَتِهِمَا فَإِنْ قِيلَ: يُعَارِضُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الضَّبُعِ أَصَيْدٌ هُوَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقِيلَ أَيُؤْكَلُ لَحْمُهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقِيلَ أَشَيْءٌ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ: نَعَمْ» فَلَا يَكُونُ حُجَّةً. أُجِيبَ بِأَنَّ حَدِيثَنَا مَشْهُورٌ لَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ إنْ صَحَّ، وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَابْنُ عِرْسٍ دُوَيْبَّةٌ، وَالرَّخَمُ جَمْعُ رَخَمَةٍ وَهُوَ طَائِرٌ أَبْلَقُ يُشْبِهُ النِّسْرَ فِي الْخِلْقَةِ، وَالْبُغَاثُ مَا لَا يَصِيدُ مِنْ صِغَارِ الطَّيْرِ وَضِعَافِهِ، وَأَمَّا الْغُرَابُ الْأَسْوَدُ وَالْأَبْقَعُ فَهُوَ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: نَوْعٌ