الثَّلَاثَ: أَيَّ ثَلَاثٍ كَانَ يَحِلُّ، وَبِهِ كَانَ يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرْنَا. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ أَكْثَرَ كُلِّ فَرْدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، لِأَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنْهَا أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لِانْفِصَالِهِ عَنْ غَيْرِهِ وَلِوُرُودِ الْأَمْرِ بِفَرْيِهِ فَيُعْتَبَرُ أَكْثَرُ كُلِّ فَرْدٍ مِنْهَا. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قَطْعِ الْوَدَجَيْنِ إنْهَارُ الدَّمِ فَيَنُوبُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ، إذْ كُلُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَجْرَى الدَّمِ. أَمَّا الْحُلْقُومُ فَيُخَالِفُ الْمَرِيءَ فَإِنَّهُ مَجْرَى الْعَلَفِ وَالْمَاءِ، وَالْمَرِيءُ مَجْرَى النَّفَسِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِهِمَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَأَيَّ ثَلَاثٍ قَطَعَهَا فَقَدْ قَطَعَ الْأَكْثَرَ مِنْهَا وَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِهَا هُوَ إنْهَارُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ وَالتَّوْحِيَةُ فِي إخْرَاجِ الرُّوحِ، لِأَنَّهُ لَا يَحْيَا بَعْدَ قَطْعِ مَجْرَى النَّفَسِ أَوْ الطَّعَامِ، وَيَخْرُجُ الدَّمُ بِقَطْعِ أَحَدِ الْوَدَجَيْنِ فَيُكْتَفَى بِهِ تَحَرُّزًا عَنْ زِيَادَةِ التَّعْذِيبِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ النِّصْفَ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ بَاقٍ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ شَيْئًا احْتِيَاطًا لِجَانِبِ الْحُرْمَةِ.

قَالَ (وَيَجُوزُ الذَّبْحُ بِالظُّفْرِ وَالسِّنِّ وَالْقَرْنِ إذَا كَانَ مَنْزُوعًا حَتَّى لَا يَكُونَ بِأَكْلِهِ بَأْسٌ، إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ هَذَا الذَّبْحُ)

ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ إنْهَارُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ وَالتَّوْحِيَةُ: أَيْ التَّعْجِيلُ فِي إخْرَاجِ الرُّوحِ، لِأَنَّهُ لَا يَحْيَا بَعْدَ قَطْعِ مَجْرَى النَّفَسِ أَوْ الطَّعَامِ. وَبِهَذَا يَحْصُلُ جَوَابُ أَبِي يُوسُفَ، وَبِقَوْلِهِ (وَيَخْرُجُ الدَّمُ بِقَطْعِ أَحَدِ الْوَدَجَيْنِ فَيُكْتَفَى بِهِ تَحَرُّزًا عَنْ زِيَادَةِ التَّعْذِيبِ) جَوَابُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُقَالُ: الْأَوْدَاجُ جَمْعٌ دَخَلَ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ وَلَيْسَ ثَمَّةَ مَعْهُودٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدِ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} [الأحزاب: 52] لِأَنَّ مَا تَحْتَهُ لَيْسَ أَفْرَادَهُ حَقِيقَةً وَالِانْصِرَافُ إلَى الْجِنْسِ فِيمَا يَكُونُ كَذَلِكَ.

وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ النِّصْفَ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ بَاقٍ) قِيلَ: يَعْنِي أَكْثَرَ الْمُرَخَّصِ فِيهِ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ، فَإِنَّ الِاثْنَيْنِ لَمَّا كَانَا بَاقِيَيْنِ كَانَ أَكْثَرُ الْمُرَخَّصِ بَاقِيًا فَلَا يَحِلُّ. وَقِيلَ لَمَّا كَانَ جَانِبُ الْحُرْمَةِ مُرَجَّحًا كَانَ لِلنِّصْفِ الْبَاقِي حُكْمُ الْأَكْثَرِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ شَيْئًا وَرُبَّمَا لَوَّحَ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ احْتِيَاطًا لِجَانِبِ الْحُرْمَةِ.

قَالَ (وَيَجُوزُ الذَّبْحُ بِالظُّفْرِ وَالْقَرْنِ وَالسِّنِّ إلَخْ) الذَّبْحُ بِالظُّفْرِ وَالْقَرْنِ وَالسِّنِّ الْمَنْزُوعَةِ جَائِزٌ مَكْرُوهٌ، وَأَكْلُ الذَّبِيحِ بِهَا لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هُوَ مَيْتَةٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَأَفْرَى الْأَوْدَاجَ مَا خَلَا الظُّفْرَ وَالسِّنَّ فَإِنَّهُمَا مُدَى الْحَبَشَةِ» اسْتَثْنَاهُمَا بِالْإِطْلَاقِ عَمَّا يَجُوزُ أَكْلُهُ فَيَتَنَاوَلُ الْحُرْمَةَ بِالْمَنْزُوعِ وَالْقَائِمِ، وَلِأَنَّ الذَّكَاةَ فِعْلٌ مَشْرُوعٌ، وَإِنْهَارُ الدَّمِ بِهَا مُطْلَقًا غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَا يَكُونُ ذَكَاةً كَغَيْرِ الْمَنْزُوعِ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْهِرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت» وَيُرْوَى «أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت» وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَقْتَضِي الْجَوَازَ بِالْمَنْزُوعِ وَغَيْرِهِ، إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا غَيْرَ الْمَنْزُوعِ بِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فَإِنَّ فِيهِ دَلَالَةً عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " فَإِنَّهَا مُدَى الْحَبَشَةِ " فَإِنَّهُمْ لَا يُقَلِّمُونَ الْأَظْفَارَ وَيُحَدِّدُونَ الْأَسْنَانَ وَيُقَاتِلُونَ بِالْخَدْشِ وَالْعَضِّ، وَهَذَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015