عَامِدًا لَا يَسَعُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهِ لَا يَنْفُذُ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ، لَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ» وَلِأَنَّ التَّسْمِيَةَ لَوْ كَانَتْ شَرْطًا لِلْحِلِّ لَمَا سَقَطَتْ بِعُذْرِ النِّسْيَانِ كَالطَّاهِرَةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ كَانَتْ شَرْطًا فَالْمِلَّةُ أُقِيمَتْ مَقَامَهَا كَمَا فِي النَّاسِي، وَلَنَا الْكِتَابُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] الْآيَةَ، نَهْيٌ وَهُوَ لِلتَّحْرِيمِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQ «الْمُسْلِمُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ» سَوَّى بَيْنَ التَّسْمِيَةِ وَعَدَمِهَا وَالشَّرْطُ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَبِأَنَّ التَّسْمِيَةَ لَوْ كَانَتْ شَرْطًا لِلْحِلِّ لَمَا سَقَطَتْ بِعُذْرِ النِّسْيَانِ، كَالطَّهَارَةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا لَمَّا كَانَتْ شَرْطًا لَمْ تَجُزْ صَلَاةُ مَنْ نَسِيَ الطَّهَارَةَ لَكِنَّهَا سَقَطَتْ بِعُذْرِ النِّسْيَانِ سَلَّمْنَا أَنَّهَا شَرْطٌ لَكِنَّ الْمِلَّةَ أُقِيمَتْ مَقَامَهَا كَمَا فِي النَّاسِي.

وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ النِّسْيَانِ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ وَعَنْ الِاسْتِدْلَالِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ الْمُلَازَمَةَ فَإِنَّهَا تُفْضِي إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ مَعْهُودَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى النَّاسِي هَيْئَةٌ مَذْكُورَةٌ كَالْأَكْلِ فِي الصَّلَاةِ وَالْجِمَاعِ فِي الْإِحْرَامِ، وَهَاهُنَا إنْ لَمْ تَكُنْ هَيْئَةٌ تُوجِبُ النِّسْيَانَ وَهِيَ مَا يَحْصُلُ لِلذَّابِحِ عِنْدَ زَهُوقِ رُوحِ حَيَوَانٍ مِنْ تَغَيُّرِ الْحَالِ فَلَيْسَ هَيْئَةٌ مُذْكَرَةٌ بِمَوْجُودَةٍ، وَلِمَانِعِ أَنْ يَمْنَعَ بُطْلَانَ التَّالِي أَيْضًا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَنْ التَّنَزُّلِ بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ: يَعْنِي أَنَّ إقَامَةَ الْمِلَّةِ مَقَامَ التَّسْمِيَةِ فِي حَقِّ النَّاسِي وَهُوَ مَعْذُورٌ لَا يَدُلُّ فِي حَقِّ الْعَامِدِ وَلَا عُذْرَ لَهُ، وَأَمَّا مَا شَنَّعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِكَوْنِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ فَوَاضِحٌ. وَاسْتَدَلَّ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] فَإِنَّ فِيهِ النَّهْيَ بِأَبْلَغِ وَجْهٍ، وَهُوَ تَأْكِيدُهُ بِمِنْ الِاسْتِغْرَاقِيَّةِ عَنْ أَكْلِ مَتْرُوك التَّسْمِيَةِ، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَقْتَضِي الْحُرْمَةَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَهُوَ أَقْرَبُ لَا مَحَالَةَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.

وَالْجَوَابُ أَنَّهُ غَيْرُ مُجْرًى عَلَى ظَاهِرِهِ، إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ لَجَرَتْ الْمُحَاجَّةُ وَظَهَرَ الِانْقِيَاد وَارْتَفَعَ الْخِلَاف فِي الصَّدْر الْأَوَّل، لِأَنَّ ظَاهِر مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ اللِّسَانِ، وَفِي ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى، إذْ الْإِنْسَانُ كَثِيرُ النِّسْيَانِ، وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] فَيُحْمَلُ عَلَى حَالَةِ الْعَمْدِ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ. وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] .

وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ السَّلَفَ أَجْمَعُوا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الذِّكْرُ حَالَ الذَّبْحِ لَا غَيْرُ، وَصِلَةُ عَلَى تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ يُقَالُ ذَكَرَ عَلَيْهِ إذَا ذَكَرَ بِاللِّسَانِ، وَذَكَرَهُ إذَا ذَكَرَ بِالْقَلْبِ. وَقَوْلُهُ {وَلا تَأْكُلُوا} [الأنعام: 121] عَامٌّ مُؤَكَّدٌ بِمِنْ الِاسْتِغْرَاقِيَّةِ الَّتِي تُفِيدُ التَّأْكِيدَ، وَتَأْكِيدُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015