وَاحِدٌ، بِخِلَافِ الْمَغَانِمِ لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ فِي الْمَالِيَّةِ حَتَّى كَانَ لِلْإِمَامِ بَيْعُهَا وَقِسْمَةُ ثَمَنِهَا وَهُنَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ جَمِيعًا فَافْتَرَقَا وَأَمَّا الْجَوَاهِرُ فَقَدْ قِيلَ إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ لَا يَقْسِمُ كَاللَّآلِئِ وَالْيَوَاقِيتِ وَقِيلَ لَا يَقْسِمُ الْكِبَارَ مِنْهَا لِكَثْرَةِ التَّفَاوُتِ، وَيَقْسِمُ الصِّغَارَ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ.
وَقِيلَ يَجْرِي الْجَوَابُ عَلَى إطْلَاقِهِ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْجَوَاهِرِ أَفْحَشُ مِنْ جَهَالَةِ الرَّقِيقِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى لُؤْلُؤَةٍ أَوْ يَاقُوتَةٍ أَوْ خَالَعَ عَلَيْهَا لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ، وَيَصِحُّ ذَلِكَ عَلَى عَبْدٍ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُجْبَرَ عَلَى الْقِسْمَةِ.
قَالَ (وَلَا يُقْسَمُ حَمَّامٌ وَلَا بِئْرٌ، وَلَا رَحًى إلَّا بِتَرَاضِي الشُّرَكَاءِ، وَكَذَا الْحَائِطُ بَيْنَ الدَّارَيْنِ) لِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى الضَّرَرِ فِي الطَّرَفَيْنِ، إذْ لَا يَبْقَى كُلُّ نَصِيبٍ مُنْتَفَعًا بِهِ انْتِفَاعًا مَقْصُودًا فَلَا يَقْسِمُ الْقَاضِي بِخِلَافِ التَّرَاضِي لِمَا بَيَّنَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَ شَيْءٍ آخَرَ يَصِحُّ فِيهِ الْقِسْمَةُ جَبْرًا كَالْغَنَمِ وَالثِّيَابِ أَوْ لَا يَكُونَ، فَإِنْ كَانَ فَالْأَصَحُّ الْقِسْمَةُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا عَلَى الْأَظْهَرِ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ.
وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيُجْعَلُ الَّذِي مَعَ الرَّقِيقِ أَصْلًا فِي الْقِسْمَةِ جَبْرًا وَيُجْعَلُ الرَّقِيقُ تَابِعًا لَهُ فِي الْقِسْمَةِ، وَقَدْ يَثْبُتُ الْحُكْمُ لِشَيْءٍ تَبَعًا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَصْدًا كَالشِّرْبِ فِي الْبَيْعِ وَالْمَنْقُولَاتِ فِي الْوَقْفِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا لَا يُقْسَمُ إلَّا بِرِضَاهُمَا، وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا لَا يَقْسِمُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يُجْبِرُهُمَا عَلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ صَاحِبَاهُ: يُجْبِرُهُمَا عَلَى الْقِسْمَةِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ كَمَا فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَرَقِيقِ الْمَغْنَمِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْآدَمِيِّ فَاحِشٌ لِتَفَاوُتِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ كَالذِّهْنِ وَالْكِيَاسَةِ، لِأَنَّ مِنْ الْعَبِيدِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْأَمَانَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَصْلُحُ لِلتِّجَارَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَصْلُحُ لِلْفُرُوسِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَمَتَى جَمَعَ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي وَاحِدٍ فَإِنَّهُ سَائِرُ الْمَنَافِعِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قِسْمَةً وَإِفْرَازًا، بِخِلَافِ الْحَيَوَانَاتِ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا يَقِلُّ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ وَمِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ (بِخِلَافِ الْمَغَانِمِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمَا وَرَقِيقُ الْمَغْنَمِ، وَذَلِكَ (لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ فِي الْمَالِيَّةِ حَتَّى كَانَ لِلْإِمَامِ بَيْعُهَا وَقِسْمَةُ ثَمَنِهَا، وَهَاهُنَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ فَافْتَرَقَا) فَإِنْ قِيلَ: لَوْ تَزَوَّجَ أَوْ خَالَعَ عَلَى عَبْدٍ صَحَّ فَصَارَ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ فَلْيَكُنْ فِي الْقِسْمَةِ كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَحْتَاجُ إلَى الْإِفْرَازِ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الْقِسْمَةِ، بِخِلَافِ مَا ذَكَرْتُمْ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْجَوَاهِرُ إلَخْ) وَاضِحٌ.
قَالَ (وَلَا يُقْسَمُ حَمَّامٌ وَلَا بِئْرٌ وَلَا رَحًى) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْجَبْرَ فِي الْقِسْمَةِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ انْتِفَاءِ الضَّرَرِ عَنْهُمَا بِأَنْ يَبْقَى نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ مُنْتَفَعًا بِهِ انْتِفَاعَ ذَلِكَ الْجِنْسِ، وَفِي قِسْمَةِ الْبِئْرِ وَالْحَمَّامِ وَالرَّحَى ضَرَرٌ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا فَلَا يُقْسَمُ إلَّا بِالتَّرَاضِي. وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: الْقَاضِي لَا يَقْسِمُ عِنْدَ الضَّرَرِ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْصَبْ مُتْلِفًا، لَكِنْ لَوْ اقْتَسَمَ لَمْ يَمْنَعْهُمَا عَنْ ذَلِكَ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ.
وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَسْتَضِرُّ لِصِغَرِهِ لَمْ يَقْسِمْهَا