ثُمَّ قِيلَ: يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ وَيُعْطِيهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ كَمَا فِي الِاسْتِهْلَاكِ. وَقِيلَ يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ جِلْدِ ذَكِيٍّ غَيْرِ مَدْبُوغٍ، وَلَوْ دَبَغَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَالتُّرَابِ وَالشَّمْسِ فَهُوَ لِمَالِكِهِ بِلَا شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ غَسْلِ الثَّوْبِ. وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْغَاصِبُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَدْبُوغًا.
وَقِيلَ طَاهِرًا غَيْرَ مَدْبُوغٍ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الدِّبَاغَةِ هُوَ الَّذِي حَصَّلَهُ فَلَا يَضْمَنُهُ. وَجْهُ الْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّ صِفَةَ الدِّبَاغَةِ تَابِعَةٌ لِلْجِلْدِ فَلَا تُفْرَدُ عَنْهُ، وَإِذَا صَارَ الْأَصْلُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَكَذَا صِفَتُهُ، وَلَوْ خَلَّلَ الْخَمْرَ بِإِلْقَاءِ الْمِلْحِ فِيهِ قَالُوا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: صَارَ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ.
وَعِنْدَهُمَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ وَأَعْطَى مَا زَادَ الْمِلْحُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ دَبْغِ الْجِلْدِ، وَمَعْنَاهُ هَاهُنَا أَنْ يُعْطِيَ مِثْلَ وَزْنِ الْمِلْحِ مِنْ الْخَلِّ، وَإِنْ أَرَادَ الْمَالِكُ تَرْكَهُ عَلَيْهِ وَتَضْمِينَهُ فَهُوَ عَلَى مَا قِيلَ. وَقِيلَ فِي دَبْغِ الْجِلْدِ وَلَوْ اسْتَهْلَكَهَا لَا يَضْمَنُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي دَبْغِ الْجِلْدِ، وَلَوْ خَلَّلَهَا بِإِلْقَاءِ الْخَلِّ فِيهِمَا، فَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ صَارَ خَلًّا مِنْ سَاعَتِهِ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ لَهُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ، وَإِنْ لَمْ تَصِرْ خَلًّا إلَّا بَعْدَ زَمَانٍ بِأَنْ كَانَ الْمُلْقَى فِيهِ خَلًّا قَلِيلًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ كِلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ خَلْطَ الْخَلِّ بِالْخَلِّ فِي التَّقْدِيرِ وَهُوَ عَلَى أَصْلِهِ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَجْزَ فِي الِاسْتِهْلَاكِ لِأَمْرٍ مِنْ جِهَةِ الْغَاصِبِ وَفِيمَا تَرَكَهُ وَضَمِنَهُ الْقِيمَةُ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ التَّضْمِينِ فِي صُورَةٍ تَعَدَّى فِيمَا الْغَاصِبُ جَوَازُهُ فِيمَا لَيْسَ كَذَلِكَ. ثُمَّ اخْتَلَفَ فِي كَيْفِيَّةِ الضَّمَانِ عَلَى قَوْلِهِمَا فَقِيلَ يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ جِلْدٍ مَدْبُوغٍ وَيُعْطِيهِ مَا زَادَ الدِّبَاغُ فِيهِ كَمَا فِي صُورَةِ الِاسْتِهْلَاكِ. وَقِيلَ قِيمَةُ جِلْدٍ ذَكِيٍّ غَيْرِ مَدْبُوغٍ، هَذَا كُلُّهُ إذَا دُبِغَ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ وَخُلِّلَ بِغَيْرِ خَلْطِ شَيْءٍ أَمَّا إذَا دَبَغَهُ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَالتُّرَابِ وَالشَّمْسِ فَهُوَ لِصَاحِبِهِ بِلَا شَيْءٍ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ غَسْلِ الثَّوْبِ وَهُوَ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْمَالِكِ. وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْغَاصِبُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّهُ صَارَ مَالًا عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ وَلَا حَقَّ لِلْغَاصِبِ فِيهِ، فَكَانَتْ الْمَالِيَّةُ وَالتَّقَوُّمُ جَمِيعًا حَقَّ الْمَالِكِ فَيَضْمَنُ بِالِاسْتِهْلَاكِ. وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الضَّمَانِ فَقِيلَ: ضَمِنَ قِيمَتَهُ مَدْبُوغًا، وَقِيلَ طَاهِرًا غَيْرَ مَدْبُوغٍ. وَقَدْ ذُكِرَ وَجْهُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَإِذَا خَلَّلَ الْخَمْرَ بِإِلْقَاءِ الْمِلْحِ فِيهِ قَالَ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: صَارَ الْخَلُّ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَعِنْدَهُمَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ وَأَعْطَى مَا زَادَ الْمِلْحُ فِيهِ كَمَا فِي دِبَاغِ الْجِلْدِ. وَقَوْلُهُ (قَالُوا) يُشِيرُ إلَى أَنَّ ثَمَّةَ قَوْلًا آخَرَ، وَهُوَ مَا قِيلَ إنَّ هَذَا وَالْأَوَّلَ سَوَاءٌ لِأَنَّ الْمِلْحَ مُسْتَهْلَكًا فِيهِ فَلَا يُعْتَبَرُ، وَبَاقِي كَلَامِهِ ظَاهِرٌ سِوَى أَلْفَاظٍ يُشِيرُ إلَيْهَا قَوْلُهُ (فَهُوَ عَلَى مَا قِيلَ وَقِيلَ) بِتَكْرِيرٍ قِيلَ إشَارَةٌ إلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي دَبْغِ الْجِلْدِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ قَائِمًا فَأَرَادَ الْمَالِكُ، إلَى أَنْ قَالَ: قِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَوْلُهُ (وَهُوَ عَلَى أَصْلِهِ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ)