{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَقْنُتَ كَبَّرَ) لِأَنَّ الْحَالَةَ قَدْ اخْتَلَفَتْ (وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَنَتَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ» وَذَكَرَ مِنْهَا الْقُنُوتَ (وَلَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةٍ غَيْرِهَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَجْرِ لَمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ «- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَنَتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ شَهْرًا»
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَوْقَاتِ كَانَ حَسَنًا (وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَقْنُتَ كَبَّرَ؛ لِأَنَّ الْحَالَةَ قَدْ اخْتَلَفَتْ) مِنْ حَقِيقَةِ الْقِرَاءَةِ إلَى شَبِيهَتِهَا، وَالتَّكْبِيرَاتُ شُرِعَتْ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْحَالَاتِ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ، وَالسُّجُودُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ مَشْرُوعٌ عِنْدَ اخْتِلَافِهَا أَفْعَالًا كَالْخَفْضِ وَالرَّفْعِ لَا أَقْوَالًا، أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْ الِاسْتِفْتَاحِ إلَى الْقِرَاءَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْحَالَةُ مِنْ الثَّنَاءِ إلَى الْقِرَاءَةِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ثَبَتَ رَفْعُ الْيَدِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ» وَرَفْعُهُمَا بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي الصَّلَاةِ كَمَا فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ فَكَانَ التَّكْبِيرُ ثَابِتًا بِهِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْسَانِ بِالْأَثَرِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي خِلَافَهُ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَوَاطِنَ السَّبْعَةَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي سَبْعٍ وَإِنْ كَانَ الْمَوَاطِنُ مُذَكَّرًا عَلَى تَأْوِيلِ الْبِقَاعِ، وَالْمُرَادُ بِنَفْيِ رَفْعَ الْأَيْدِي عَلَى سَبِيلِ الْحَصْرِ أَلَّا تُرْفَعَ عَلَى وَجْهِ سُنَّةِ الْهُدَى إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ لَا نَفِيهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ رَفْعَهَا عِنْدَ الدُّعَاءِ مُسْتَحَبٌّ وَعَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فِي عَامَّةِ الْبُلْدَانِ، وَلَيْسَ فِي الْقُنُوتِ دُعَاءٌ مُعَيَّنٌ سِوَى قَوْلِهِ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ اتَّفَقُوا عَلَى هَذَا فِي الْقُنُوتِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَهُ بِمَا عَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ فِي قُنُوتِهِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت إلَخْ، وَلَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةٍ غَيْرِهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.
قَالَ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ: الْقُنُوتُ فِي الْفَجْرِ سُنَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَفِي غَيْرِهَا إنْ حَدَثَتْ حَادِثَةٌ، فَإِنْ لَمْ تَحْدُثْ فَلَهُ قَوْلَانِ، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أَنَسٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا» وَلَنَا مَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ» وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ