آلَةً لَهُ وَالْإِتْلَافُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ (وَإِنْ أَكْرَهَهُ بِقَتْلِهِ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ وَيَصْبِرُ حَتَّى يُقْتَلَ، فَإِنْ قَتَلَهُ كَانَ آثِمًا) لِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ مِمَّا لَا يُسْتَبَاحُ لِضَرُورَةٍ مَا فَكَذَا بِهَذِهِ الضَّرُورَةِ.

قَالَ (وَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرِهِ إنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ زُفَرُ: يَجِبُ عَلَى الْمُكْرَهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ عَلَيْهِمَا. لِزُفَرَ أَنَّ الْفِعْلَ مِنْ الْمُكْرَهِ حَقِيقَةً وَحِسًّا، وَقَرَّرَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِثْمُ، بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ سَقَطَ حُكْمُهُ وَهُوَ الْإِثْمُ فَأُضِيفَ إلَى غَيْرِهِ، وَبِهَذَا يَتَمَسَّكُ الشَّافِعِيُّ فِي جَانِبِ الْمُكْرَهِ، وَيُوجِبُهُ عَلَى الْمُكْرِهِ أَيْضًا لِوُجُودِ التَّسْبِيبِ إلَى الْقَتْلِ مِنْهُ، وَلِلتَّسْبِيبِ فِي هَذَا حُكْمُ الْمُبَاشَرَةِ عِنْدَهُ كَمَا فِي شُهُودِ الْقِصَاصِ، وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَتْلَ بَقِيَ مَقْصُورًا عَلَى الْمُكْرَهِ مِنْ وَجْهٍ نَظَرًا إلَى التَّأْثِيمِ، وَأُضِيفَ إلَى الْمُكْرِهِ مِنْ وَجْهٍ نَظَرًا إلَى الْحَمْلِ فَدَخَلَتْ الشُّبْهَةُ فِي كُلِّ جَانِبٍ. وَلَهُمَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَتْلِ بِطَبْعِهِ إيثَارًا لِحَيَاتِهِ فَيَصِيرُ آلَةً لِلْمُكْرِهِ فِيمَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ وَهُوَ الْقَتْلُ بِأَنْ يُلْقِيهِ عَلَيْهِ وَلَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى دِينِهِ فَيَبْقَى الْفِعْلُ مَقْصُورًا عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْإِثْمِ كَمَا نَقُولُ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِعْتَاقِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــQآلَةً لَهُ، وَالْإِتْلَافُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ) لِأَنَّ الْمُكْرِهَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمُكْرَهَ وَيُلْقِيَهُ عَلَى الْمَالِ فَيُتْلِفَهُ. وَقَوْلُهُ فِيمَا يَصْلُحُ احْتِرَازٌ عَنْ الْأَكْلِ وَالتَّكَلُّمِ وَالْوَطْءِ فَإِنَّهُ فِيهَا لَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ (وَإِنْ أَكْرَهَهُ بِقَتْلِهِ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يُقْتَلَ، فَإِنْ قَتَلَهُ كَانَ آثِمًا لِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ) بِغَيْرِ حَقٍّ (مِمَّا لَا يُسْتَبَاحُ لِضَرُورَةِ مَا فَكَذَا بِالْإِكْرَاهِ) وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ.

وَأَمَّا وُجُوبُ الْقِصَاصِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ بِحَسَبِ الْقِسْمَةِ الْعَقْلِيَّةِ، فَإِنَّهُ إمَّا إنْ كَانَ يَجِبُ عَلَى الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ جَمِيعًا، أَوْ لَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ يَجِبُ عَلَى الْمُكْرِهِ وَحْدَهُ، أَوْ عَلَى الْعَكْسِ. وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالثَّانِي قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالثَّالِثُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَالرَّابِعُ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. لَهُ أَنَّ الْفِعْلَ مِنْ الْمُكْرَهِ حَقِيقَةٌ لِصُدُورِهِ مِنْهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَحِسًّا فَإِنَّهُ مُعَايَنٌ مُشَاهَدٌ، وَكَذَا شَرْعًا لِأَنَّهُ قَرَّرَ عَلَيْهِ حُكْمَهُ وَهُوَ الْإِثْمُ، فَإِيجَابُ الْقِصَاصِ عَلَى غَيْرِهِ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَغَيْرُ مَشْرُوعٍ، بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ سَقَطَ حُكْمُهُ وَهُوَ الْإِثْمُ فَلَمْ يَكُنْ مُقَرَّرًا عَلَيْهِ شَرْعًا فَجَازَ إضَافَتُهُ إلَى غَيْرِهِ، وَبِهَذَا يَتَمَسَّكُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي جَانِبِ الْمُكْرَهِ وَيُوجِبُهُ عَلَى الْمُكْرِهِ أَيْضًا لِوُجُودِ التَّسْبِيبِ إلَى الْقَتْلِ مِنْهُ، وَلِلتَّسَبُّبِ فِي هَذَا: أَيْ فِي الْقَتْلِ حُكْمُ الْمُبَاشَرَةِ عِنْدَهُ، كَمَا إذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ فَاقْتُصَّ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَجَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الشَّاهِدَانِ عِنْدَهُ لِلتَّسْبِيبِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَسَامُحٌ، لِأَنَّ دَلِيلَ زُفَرَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إضَافَةِ الْقَتْلِ إلَى غَيْرِ الْمُكْرِهِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ ذَلِكَ دَلِيلًا لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ يُضِيفُهُ إلَى غَيْرِهِ أَيْضًا.

وَالْجَوَابُ أَنَّ دَلِيلَهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إضَافَتِهِ إلَى غَيْرِ الْمُكْرِهِ مُبَاشَرَةً، وَالشَّافِعِيُّ يُضِيفُهُ إلَى الْغَيْرِ تَسْبِيبًا فَلَا تَنَافِيَ. وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْقَتْلَ الْحَاصِلَ مِنْ الْمُكْرَهِ يَحْتَمِلُ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ وَالتَّعَدِّيَ إلَى غَيْرِهِ نَظَرًا إلَى دَلِيلِ زُفَرَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، لِأَنَّ تَأْثِيمَ الشَّارِعِ يَدُلُّ عَلَى تَقْرِيرِ الْحُكْمِ وَقَصْرِهِ عَلَيْهِ، وَكَوْنُهُ مَحْمُولًا عَلَى الْفِعْلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَالْآلَةِ وَالْفِعْلُ يَنْتَقِلُ عَنْهُ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ شُبْهَةً وَالْقِصَاصُ يَنْدَفِعُ بِهَا.

وَلَهُمَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَتْلِ بِطَبْعِهِ إيثَارًا لِحَيَاتِهِ، وَالْمَحْمُولُ عَلَى الْفِعْلِ بِالطَّبْعِ آلَةٌ لِأَنَّ الْآلَةَ هِيَ الَّتِي تَعْمَلُ بِالطَّبْعِ، كَالسَّيْفِ فَإِنَّ طَبْعَهُ الْقَطْعُ عِنْدَ الِاسْتِعْمَالِ فِي مَحَلِّهِ فَيَصِيرُ آلَةً لِلْمُكْرِهِ فِيمَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ وَهُوَ الْقَتْلُ بِأَنْ يُلْقِيَهُ عَلَيْهِ، وَالْفِعْلُ يُضَافُ إلَى الْفَاعِلِ لَا إلَى الْآلَةِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ آلَةً لَأُضِيفَ الْإِثْمُ إلَى الْمُكْرَهِ كَالْقَتْلِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى دِيَتِهِ فَيَبْقَى الْفِعْلُ فِي حَقِّ الْإِثْمِ مَقْصُورًا عَلَيْهِ كَمَا نَقُولُ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِعْتَاقِ) فَإِنَّ إعْتَاقَهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُكْرِهِ مِنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015