وَلِأَنَّ بِهَذَا الْإِظْهَارِ لَا يَفُوتُ الْإِيمَانُ حَقِيقَةً لِقِيَامِ التَّصْدِيقِ، وَفِي الِامْتِنَاعِ فَوْتُ النَّفْسِ حَقِيقَةً فَيَسَعُهُ الْمَيْلُ إلَيْهِ. قَالَ (فَإِنْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ وَلَمْ يُظْهِرْ الْكُفْرَ كَانَ مَأْجُورًا) لِأَنَّ «خُبَيْبًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى صُلِبَ وَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ، وَقَالَ فِي مِثْلِهِ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ» وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ بَاقِيَةٌ، وَالِامْتِنَاعُ لِإِعْزَازِ الدِّينِ عَزِيمَةٌ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِلِاسْتِثْنَاءِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْكُفْرَ لَا تَنْكَشِفُ حُرْمَتُهُ وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ بِهَذَا الْإِظْهَارِ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ الْإِيمَانَ (لَا يَفُوتُ بِهَذَا الْإِظْهَارِ حَقِيقَةً) لِأَنَّ الرُّكْنَ الْأَصْلِيَّ فِيهِ هُوَ التَّصْدِيقُ وَهُوَ قَائِمٌ حَقِيقَةً، وَالْإِقْرَارُ رُكْنٌ زَائِدٌ وَهُوَ قَائِمٌ تَقْدِيرًا لِأَنَّ التَّكْرَارَ لَيْسَ بِشَرْطٍ (وَفِي الِامْتِنَاعِ فَوْتُ النَّفْسِ حَقِيقَةً) فَكَانَ مِمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ فَوْتُ حَقِّ الْعَبْدِ يَقِينًا وَفَوْتُ حَقِّ اللَّهِ تَوَهُّمًا (فَيَسَعُهُ الْمَيْلُ إلَى إحْيَاءِ حَقِّهِ، فَإِنْ صَبَرَ وَلَمْ يُظْهِرْ الْكُفْرَ حَتَّى قُتِلَ كَانَ مَأْجُورًا، لِأَنَّ خُبَيْبًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى صُلِبَ، وَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ، وَقَالَ فِي مِثْلِهِ) أَيْ فِيهِ وَكَلِمَةُ مِثْلِ زَائِدٌ (هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ) وَقِصَّتُهُ مَعْرُوفَةٌ أَيْضًا (وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ بَاقِيَةٌ) لِتَنَاهِي قُبْحِ الْكُفْرِ وَبَقَاؤُهَا يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ (فَكَانَ الِامْتِنَاعُ عَزِيمَةً لِإِعْزَازِ الدِّينِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ) مِنْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، فَإِنَّ الْحُرْمَةَ هُنَاكَ لَمْ تَكُنْ بَاقِيَةً (لِلِاسْتِثْنَاءِ) كَمَا تَقَدَّمَ.
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ إجْرَاءَ كَلِمَةِ الْكُفْرِ أَيْضًا مُسْتَثْنًى بِقَوْلِهِ {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] مِنْ قَوْلِهِ {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ} [النحل: 106] فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، وَتَقْدِيرُهُ: مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ وَشَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ، فَاَللَّهُ تَعَالَى مَا أَبَاحَ إجْرَاءَ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِمْ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ، وَإِنَّمَا