لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ حُكْمَ الْمَسْجِدِ وَإِنْ نَدَبْنَا إلَيْهِ
(وَيُكْرَهُ أَنْ يُغْلَقَ بَابُ الْمَسْجِدِ) :
لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا خِيفَ عَلَى مَتَاعِ الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ أَوَانِ الصَّلَاةِ (وَلَا بَأْسَ أَنْ يُنْقَشَ الْمَسْجِدُ بِالْجِصِّ وَالسَّاجِ وَمَاءِ الذَّهَبِ) وَقَوْلُهُ لَا بَأْسَ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِهِ، وَقِيلَ هُوَ قُرْبَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ حُكْمَ الْمَسْجِدِ) يَعْنِي لِعَدَمِ الْخُلُوصِ حَتَّى يُبَاعَ، وَيُورَثُ (وَإِنْ نَدَبْنَا إلَيْهِ) أَيْ إلَى اتِّخَاذِ الْمَسْجِدِ فِي الْبَيْتِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ إنْسَانٍ أَنْ يَتَّخِذَ فِي بَيْتِهِ مَكَانًا لِلصَّلَاةِ يُصَلِّي فِيهِ النَّوَافِلَ وَالسُّنَنَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس: 87] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَتَّخِذُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا» وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ.
وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْغَلْقَ (يُشْبِهُ الْمَنْعَ عَنْ الصَّلَاةِ) وَهُوَ حَرَامٌ، قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [البقرة: 114] (وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ يُغْلَقُ بَابُ الْمَسْجِدِ (إذَا خِيفَ عَلَى مَتَاعِهِ) فِي غَيْرِ أَوَانِ الصَّلَاةِ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الزَّمَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَحْضُرْنَ الْجَمَاعَاتِ ثُمَّ مُنِعْنَ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ الْمَنْعُ صَوَابًا، فَكَذَلِكَ إغْلَاقُ بَابِ الْمَسْجِدِ فِي زَمَانِنَا وَالتَّدْبِيرُ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَإِنَّهُمْ إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وَجَعَلُوهُ مُتَوَلِّيًا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي يَكُونُ مُتَوَلِّيًا.
وَقَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُنْقَشَ الْمَسْجِدُ بِالْجِصِّ) إنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا قَالَ حِينَ مَرَّ بِمَسْجِدٍ مُزَخْرَفٍ: لِمَنْ هَذِهِ الْبِيعَةُ؟ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِكَرَاهَتِهِ هَذَا الصَّنِيعِ فِي الْمَسَاجِدِ وَعِنْدَنَا لَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ عُمَرَ زَادَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزَيَّنَهُ فِي خِلَافَتِهِ؛ وَلِأَنَّ فِي تَزْيِينِهِ تَرْغِيبَ النَّاسِ فِي الِاعْتِكَافِ وَالْجُلُوسِ فِي الْمَسَاجِدِ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ لَا مَحَالَةَ حَسَنٌ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي قَوْلِهِ وَلَا بَأْسَ: إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ وَلَا يَأْثَمُ بِهِ.
وَقِيلَ هُوَ قُرْبَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَثَّنَا عَلَى عُمَارَةِ الْمَسَاجِدِ بِقَوْلِهِ {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 18]