وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ قَابِلٌ لِحُكْمِهِ، وَهُوَ الْمِلْكُ فَيَكُونُ مَحَلًّا لَهُ، وَكَوْنُهُ تَبَرُّعًا لَا يُبْطِلُهُ الشُّيُوعُ كَالْقَرْضِ وَالْوَصِيَّةِ. وَلَنَا أَنَّ الْقَبْضَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْهِبَةِ فَيُشْتَرَطُ كَمَالُهُ وَالْمُشَاعُ لَا يَقْبَلُهُ إلَّا بِضَمِّ غَيْرِهِ إلَيْهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْهُوبٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا وَهَبَ التَّمْرَ عَلَى النَّخِيلِ دُونَ النَّخِيلِ أَوْ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ دُونَهَا، فَإِنَّ الْمَوْهُوبَ لَيْسَ بِمَحُوزٍ: أَيْ لَيْسَ بِمَقْبُوضٍ، وَالثَّانِي عَنْ الْمُشَاعِ. فَإِنَّهُ إذَا جَزَّ وَقَبَضَ التَّمْرَ الْمَوْهُوبَ عَلَى النَّخِيلِ وَلَكِنَّ ذَلِكَ التَّمْرَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْسُومٍ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَجُوزُ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ إلَّا مَحُوزَةً مَقْسُومَةً، لِأَنَّ الْهِبَةَ فِي نَفْسِهَا فِيمَا يُقْسَمُ تَقَعُ جَائِزَةً وَلَكِنْ غَيْرَ مُثْبِتَةٍ لِلْمِلْكِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ مُفْرَزًا، فَإِنَّهُ إذَا وَهَبَ مُشَاعًا فِيمَا يُقْسَمُ ثُمَّ أَفْرَزَهُ وَسَلَّمَ صَحَّتْ وَوَقَعَتْ مُثْبَتَةً لِلْمِلْكِ، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ هِبَةَ الْمُشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ وَقَعَتْ جَائِزَةً فِي نَفْسِهَا، وَلَكِنْ تُوقَفُ إثْبَاتُهَا الْمُمَلِّكُ عَلَى الْإِفْرَازِ وَالتَّسْلِيمِ وَالْعَقْدِ الْمُتَوَقِّفِ ثُبُوتُ حُكْمِهِ عَلَى الْإِفْرَازِ وَالتَّسْلِيمِ لَا يُوصَفُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَهِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يُقْسَمُ جَائِزَةٌ، وَمَعْنَاهُ هِبَةُ مُشَاعٍ لَا تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ جَائِزَةٌ، لِأَنَّ الْمُشَاعَ غَيْرُ مَقْسُومٍ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ ظَاهِرًا، وَهِبَةُ النَّصِيبِ الْغَيْرِ الْمَقْسُومِ فِيمَا هُوَ غَيْرُ مَقْسُومٍ جَائِزَةٌ، وَذَلِكَ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي وَتَصْحِيحُهُ بِمَا ذُكِرَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هِبَةُ الْمُشَاعِ جَائِزَةٌ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا مَعْنَاهُ مُثْبِتَةٌ لِلْمِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، لِأَنَّهُ عَقْدُ تَمْلِيكٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَعَقْدُ التَّمْلِيكِ يَصِحُّ فِي الْمُشَاعِ وَغَيْرِهِ كَالْبَيْعِ بِأَنْوَاعِهِ: يَعْنِي الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ وَالصَّرْفَ وَالسَّلَمَ، فَإِنَّ الشُّيُوعَ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِذَا بَاعَ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي خَرَجَ عَنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَدَخَلَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَمَلَكَهُ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا وَالْخُرُوجُ عَنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَالدُّخُولُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَبْضِ وَكَذَا يَصْلُحُ الْمُشَاعُ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ وَبَدَلَ الصَّرْفِ، وَالْقَبْضُ شَرْطٌ فِيهِمَا، وَهَذَا: أَيْ جَوَازُهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُشَاعَ قَابِلٌ لِحُكْمِهِ: أَيْ لِحُكْمِ عَقْدِ الْهِبَةِ وَهُوَ الْمِلْكُ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْإِرْثِ، وَكُلُّ مَا هُوَ قَابِلٌ لِحُكْمِ عَقْدٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لَهُ، لِأَنَّ الْمَحَلِّيَّةَ عَيْنُ الْقَابِلِيَّةِ أَوْ لَازِمٌ مِنْ لَوَازِمِهَا فَكَانَ الْعَقْدُ صَادِرًا مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ، وَلَا مَانِعَ ثَمَّةَ فَكَانَ جَائِزًا. فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ الْمَانِعِ فَإِنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشُّيُوعُ مُبْطِلًا.
أَجَابَ بِقَوْلِهِ وَكَوْنُهُ تَبَرُّعًا: يَعْنِي لَمْ يُعْهَدْ ذَلِكَ مُبْطِلًا فِي التَّبَرُّعَاتِ كَالْقَرْضِ وَالْوَصِيَّةِ بِأَنْ دَفَعَ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى رَجُلٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ قَرْضًا عَلَيْهِ وَيَعْمَلُ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ بِشَرِكَتِهِ وَبِأَنْ أَوْصَى لِرَجُلَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشُّيُوعَ لَا يُبْطِلُ التَّبَرُّعَ حَتَّى يَكُونَ مَانِعًا. وَلَنَا أَنَّ الْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ لِمَا رَوَيْنَا