قُلْنَا: لَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ يُجْبَرَ الْمُودَعُ عَلَى الدَّفْعِ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً عِنْدَ إنْسَانٍ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ لِغَيْرِهِ فَلِغَرِيمِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ إذَا ظَفِرَ بِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ.
قَالَ (وَإِنْ أَوْدَعَ رَجُلٌ عِنْدَ رَجُلَيْنِ شَيْئًا مِمَّا يُقْسَمُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْفَعَهُ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَلَكِنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِهِ فَيَحْفَظُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْسَمُ جَازَ أَنْ يَحْفَظَ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَهُ فِي الْمُرْتَهِنَيْنِ وَالْوَكِيلَيْنِ بِالشِّرَاءِ إذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ. وَقَالَا: لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَحْفَظَ بِإِذْنِ الْآخَرِ فِي الْوَجْهَيْنِ. لَهُمَا أَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْآخَرِ وَلَا يَضْمَنُهُ كَمَا فِيمَا لَا يُقْسَمُ. وَلَهُ أَنَّهُ رَضِيَ بِحِفْظِهِمَا وَلَمْ يَرْضَ بِحِفْظِ أَحَدِهِمَا كُلِّهِ لِأَنَّ الْفِعْلَ مَتَى أُضِيفَ إلَى مَا يَقْبَلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي تَنَاوَلَ الْبَعْضَ دُونَ الْكُلَّ فَوَقَعَ التَّسْلِيمُ إلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْمَالِكِ فَيَضْمَنُ الدَّافِعُ وَلَا يَضْمَنُ الْقَابِضُ لِأَنَّ مُودِعَ الْمُودَعَ عِنْدَهُ لَا يَضْمَنُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَا يُقْسَمُ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْدَعَهُمَا وَلَا يُمْكِنُهُمَا الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَمْكَنَهُمَا الْمُهَايَأَةُ كَانَ الْمَالِكُ رَاضِيًا بِدَفْعِ الْكُلِّ إلَى أَحَدِهِمَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ.
قَالَ (وَإِذَا قَالَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ لِلْمُودَعِ لَا تُسَلِّمُهُ إلَى زَوْجَتِك فَسَلَّمَهَا إلَيْهَا لَا يَضْمَنُ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إذَا نَهَاهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى أَحَدٍ مِنْ عِيَالِهِ فَدَفَعَهَا إلَى مَنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ لَا يَضْمَنُ) كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ دَابَّةً فَنَهَاهُ عَنْ الدَّفْعِ إلَى غُلَامِهِ، وَكَمَا إذَا كَانَتْ شَيْئًا يُحْفَظُ فِي يَدِ النِّسَاءِ فَنَهَاهُ عَنْ الدَّفْعِ إلَى امْرَأَتِهِ وَهُوَ مَحْمَلُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْعَمَلِ مَعَ مُرَاعَاةِ هَذَا الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ مُفِيدًا فَيَلْغُو (وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ ضَمِنَ) لِأَنَّ الشَّرْطَ مُفِيدٌ لِأَنَّ مِنْ الْعِيَالِ مَنْ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى الْمَالِ وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِ مَعَ مُرَاعَاةِ هَذَا الشَّرْطِ فَاعْتُبِرَ (وَإِنْ قَالَ احْفَظْهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ فَحَفِظَهَا فِي بَيْتٍ آخَرَ مِنْ الدَّارِ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّ الشَّرْطَ غَيْرُ مُفِيدٍ، فَإِنَّ الْبَيْتَيْنِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ لَا يَتَفَاوَتَانِ فِي الْحِرْزِ (وَإِنْ حَفِظَهَا فِي دَارٍ أُخْرَى ضَمِنَ) لِأَنَّ الدَّارَيْنِ يَتَفَاوَتَانِ فِي الْحِرْزِ فَكَانَ مُفِيدًا فَيَصِحُّ التَّقْيِيدُ، وَلَوْ كَانَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْبَيْتَيْنِ ظَاهِرًا بِأَنْ كَانَتْ الدَّارُ الَّتِي فِيهَا الْبَيْتَانِ عَظِيمَةً وَالْبَيْتُ الَّذِي نَهَاهُ عَنْ الْحِفْظِ فِيهِ عَوْرَةً ظَاهِرَةً صَحَّ الشَّرْطُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْكَسْرِ أَنْ يَأْخُذَهُ إذَا ظَفِرَ بِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُودَعِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ أَوْدَعَ رَجُلٌ عِنْدَ رَجُلَيْنِ شَيْئًا مِمَّا يُقْسَمُ) مَا يُقْسَمُ هُوَ الَّذِي لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّفْرِيقِ الْحِسِّيِّ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَمَا لَا يُقْسَمُ هُوَ مَا يَتَعَيَّنُ بِهِ كَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَالطَّبَقِ، وَكَلَامُهُ ظَاهِرٌ.
وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَقْيَسُ، لِأَنَّ رِضَاهُ بِأَمَانَةِ اثْنَيْنِ لَا يَكُونُ رِضًا بِأَمَانَةِ وَاحِدٍ، فَإِذَا كَانَ الْحِفْظُ مِمَّا يَتَأَتَّى مِنْهُمَا عَادَةً لَا يَصِيرُ رَاضِيًا بِحِفْظِ أَحَدِهِمَا لِلْكُلِّ
(وَإِذَا قَالَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ لِلْمُودَعِ لَا تُسَلِّمْهَا إلَى زَوْجَتِك فَسَلَّمَهَا إلَيْهَا لَا يَضْمَنُ) مَعْنَاهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ التَّسْلِيمِ إلَيْهَا بُدٌّ، عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ (إذَا نَهَاهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى أَحَدٍ مِنْ عِيَالِهِ فَدَفَعَهَا إلَى مَنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ لَا يَضْمَنُ، كَمَا إذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ دَابَّةً فَنَهَاهُ عَنْ الدَّفْعِ إلَى غُلَامِهِ، أَوْ كَانَتْ شَيْئًا يُحْفَظُ عَلَى أَيْدِي النِّسَاءِ فَنَهَاهُ عَنْ الدَّفْعِ إلَى امْرَأَتِهِ) وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (وَهُوَ مَحْمَلُ الْأَوَّلِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ مُفِيدًا وَالْعَمَلُ بِهِ