ضَاعَا يَغْرَمُ رَبُّ الْمَالِ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَالْمُضَارِبُ خَمْسَمِائَةٍ وَيَكُونُ رُبْعُ الْعَبْدِ لِلْمُضَارِبِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ) قَالَ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ حَاصِلُ الْجَوَابِ، لِأَنَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ عَلَى الْمُضَارِبِ إذْ هُوَ الْعَاقِدُ، إلَّا أَنَّ لَهُ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ عَلَى مَا نُبَيِّنُ فَيَكُونُ عَلَيْهِ فِي الْأُجْرَةِ.
وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا نَضَّ الْمَالُ ظَهَرَ الرِّبْحُ وَلَهُ مِنْهُ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ، فَإِذَا اشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ عَبْدًا صَارَ مُشْتَرِيًا رُبْعَهُ لِنَفْسِهِ وَثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ لِلْمُضَارَبَةِ عَلَى حَسَبِ انْقِسَامِ الْأَلْفَيْنِ، وَإِذَا ضَاعَتْ الْأَلْفَانِ وَجَبَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ لِمَا بَيَّنَّاهُ، وَلَهُ الرُّجُوعُ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الثَّمَنِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ فِيهِ وَيَخْرُجُ نَصِيبُ الْمُضَارِبِ وَهُوَ الرُّبْعُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ وَمَالُ الْمُضَارَبَةِ أَمَانَةٌ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ وَيَبْقَى ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يُنَافِي الْمُضَارَبَةَ (وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةٍ) لِأَنَّهُ دَفَعَ مَرَّةً أَلْفًا وَمَرَّةً أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ (وَلَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً إلَّا عَلَى أَلْفَيْنِ) لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا بِيعَ الْعَبْدُ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ فَحِصَّةُ الْمُضَارَبَةِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ يَرْفَعُ رَأْسَ الْمَالِ وَيَبْقَى خَمْسُمِائَةٍ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا.
قَالَ (وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَلْفٌ فَاشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ وَبَاعَهُ إيَّاهُ بِأَلْفٍ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسِمِائَةٍ) لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ مَقْضِيٌّ بِجَوَازِهِ لِتَغَايُرِ الْمَقَاصِدِ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ وَإِنْ كَانَ بِيعَ مِلْكُهُ بِمِلْكِهِ إلَّا أَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الْعَدَمِ، وَمَبْنَى الْمُرَابَحَةِ عَلَى الْأَمَانَةِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ فَاعْتُبِرَ أَقَلُّ الثَّمَنَيْنِ، وَلَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدًا بِأَلْفٍ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ بَاعَهُ مُرَابَحَةً بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ عَدَمًا فِي حَقِّ نِصْفِ الرِّبْحِ وَهُوَ نَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ وَقَدْ مَرَّ فِي الْبُيُوعِ.
قَالَ (فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَقَتَلَ الْعَبْدُ رَجُلًا خَطَأً فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْفِدَاءِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَرُبْعُهُ عَلَى الْمُضَارِبِ) لِأَنَّ الْفِدَاءَ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَيُتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْمِلْكِ وَقَدْ كَانَ الْمِلْكُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا، لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ الْمَالُ عَيْنًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَبْنَاهُ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ عَلَى أَنَّ ضَمَانَ رَبِّ الْمَالِ لِلْبَائِعِ بِسَبَبِ هَلَاكِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ غَيْرُ مَانِعٍ لَهَا، فَالْمَضْمُونُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا، وَضَمَانُ الْمُضَارِبِ لِلْبَائِعِ بِسَبَبِ هَلَاكِهِ مَانِعٌ عَنْهَا.
وَحَقِيقَةُ مَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً فَاشْتَرَى بِهَا بَزًّا فَهُوَ مُضَارَبَةٌ، فَإِذَا بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ ظَهَرَتْ حِصَّةُ الْمُضَارِبِ وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ، فَإِذَا اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفَيْنِ وَقَعَ رُبْعُهَا لِلْمُضَارِبِ لِأَنَّ رُبْعَ الثَّمَنِ لَهُ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا لِرَبِّ الْمَالِ فَإِذَا هَلَكَ الثَّمَنُ صَارَ غُرْمُ الرُّبْعِ عَلَى الْمُضَارِبِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ وَالْبَاقِي عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَإِذَا غَرِمَ الْمُضَارِبُ رُبْعَ الثَّمَنِ مَلَكَ رُبْعَ الْجَارِيَةِ لَا مَحَالَةَ، وَإِذَا مَلَكَ رُبْعَهَا خَرَجَ ذَلِكَ مِنْ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ مَبْنَى الْمُضَارَبَةِ عَلَى أَنَّ الْمُضَارِبَ أَمِينٌ فَيَكُونُ الضَّمَانُ مُنَافِيًا لَهَا.
وَلَوْ أَبْقَيْنَا نَصِيبَهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لَأَبْطَلْنَا مَا غَرِمَ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ رَأْسَ الْمَالِ فَيَصِيرُ مُضَارِبًا لِنَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ.
ثُمَّ لَوْ بَاعَ الْجَارِيَةَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ صَارَ رُبْعُ الثَّمَنِ لِلْمُضَارِبِ خَاصَّةً وَذَلِكَ أَلْفٌ وَبَقِيَتْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ فَذَلِكَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، لِأَنَّ ضَمَانَ رَبِّ الْمَالِ يُلَائِمُ الْمُضَارَبَةَ وَلَا يَضِيعُ مَا يَضْمَنُ بَلْ يُلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ فِي ذَلِكَ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةٍ وَالْخَمْسُمِائَةِ رِبْحٌ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَلْفٌ) مَعْنَاهُ وَاضِحٌ، وَقَوْلُهُ (لِتَغَايُرِ الْمَقَاصِدِ) لِأَنَّ مَقْصُودَ رَبِّ الْمَالِ وُصُولُهُ إلَى الْأَلْفِ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْدِ، وَمَقْصُودُ الْمُضَارِبِ اسْتِفَادَةُ الْيَدِ عَلَى الْعَبْدِ.
وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الْعَدَمِ) أَيْ عَدَمِ الْجَوَازِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ بِهِ عَنْ مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ عَبْدٌ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَسْتَفِدْ بِهِ أَلْفًا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ وَالشُّبْهَةُ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِي الْمُرَابَحَةِ فَاعْتُبِرَ أَقَلُّ الثَّمَنَيْنِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ كَثُبُوتِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْأَكْثَرُ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ بِالنَّظَرِ إلَى أَنَّ بَيْعَ مَالِهِ بِمَالِهِ
(قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفَانِ فَقَتَلَ الْعَبْدُ رَجُلًا خَطَأً) كَانَ الدَّفْعُ وَالْفِدَاءُ إلَيْهِمَا، فَإِنْ دَفَعَاهُ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ لِهَلَاكِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَإِنْ فَدَيَاهُ (فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْفِدَاءِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَرُبْعُهُ عَلَى الْمُضَارِبِ، لِأَنَّ الْفِدَاءَ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ وَكَانَ الْمِلْكُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا، لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ لَمَّا صَارَ عَيْنًا