قَالَ (فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ اُعْتُبِرَ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْبِيَاعَاتِ إنْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ) لِوُجُودِ مَعْنَى الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِتَرَاضِيهِمَا (فَنُجْرِي فِيهِ الشُّفْعَةَ إذَا كَانَ عَقَارًا، وَيُرَدُّ بِالْعَيْبِ، وَيَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ، وَيُفْسِدُهُ جَهَالَةُ الْبَدَلِ) لِأَنَّهَا هِيَ الْمُفْضِيَةُ إلَى الْمُنَازَعَةِ دُونَ جَهَالَةِ الْمَصَالِحِ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ وَيُشْتَرَطُ الْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِ الْبَدَلِ (وَإِنْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَنَافِعَ يُعْتَبَرُ بِالْإِجَارَاتِ) لِوُجُودِ مَعْنَى الْإِجَارَةِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِمَالٍ وَالِاعْتِبَارُ فِي الْعُقُودِ لِمَعَانِيهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِأَنَّ هَذَا الصُّلْحَ فِي زَعْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ لَا لِلْمُعَاوَضَةِ، وَمَعَ هَذَا لَا يَجُوزُ.
أُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِ الْمُدَّعَى، إذْ فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ صَرْفٌ لِأَنَّهُ صَالَحَهُ عَنْ الدَّرَاهِمِ عَلَى الدَّنَانِيرِ وَالْقَبْضُ شَرْطٌ فِيهِ فِي الْمَجْلِسِ.
قَالَ (فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ إلَخْ) إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ وَكَانَ عَنْ مَالٍ عَلَى مَالٍ اُعْتُبِرَ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْبِيَاعَاتِ لِوُجُودِ مَعْنَى الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِتَرَاضِيهِمَا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَتَجْرِي فِيهِ الشُّفْعَةُ فِي الْعَقَارِ وَيُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَيَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ، وَيُفْسِدُهُ جَهَالَةُ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ دُونَ جَهَالَةِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ، وَهَذَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ احْتَجْنَا إلَى ذِكْرِهِ، وَهُوَ أَنَّ الصُّلْحَ بِاعْتِبَارِ بَدَلَيْهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا عَلَى مَعْلُومٍ، وَهُوَ جَائِزٌ لَا مَحَالَةَ.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ مَجْهُولٍ عَلَى مَجْهُولٍ، فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ فِيهِ إلَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ حَقًّا فِي دَارِ رَجُلٍ وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا فِي أَرْضٍ بِيَدِ الْمُدَّعِي وَاصْطَلَحَا عَلَى تَرْكِ الدَّعْوَى جَازَ، وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ وَقَدْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ أَحَدُهُمَا مَالًا وَلَمْ يُبَيِّنْهُ عَلَى أَنْ يَتْرُكَ الْآخَرُ دَعْوَاهُ أَوْ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ مَا ادَّعَاهُ لَمْ يَجُزْ.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ مَجْهُولٍ عَلَى مَعْلُومٍ وَقَدْ اُحْتِيجَ فِيهِ إلَى التَّسْلِيمِ، كَمَا لَوْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ فِي يَدِ رَجُلٍ وَلَمْ يُسَمِّهِ فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الْمُدَّعِي مَالًا مَعْلُومًا لِيُسَلِّمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى الْمُدَّعِي مَا ادَّعَاهُ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ فِيهِ إلَى التَّسْلِيمِ كَمَا إذَا اصْطَلَحَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى أَنْ يَتْرُكَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ جَازَ.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ مَعْلُومٍ عَلَى مَجْهُولٍ وَقَدْ اُحْتِيجَ فِيهِ إلَى التَّسْلِيمِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ جَازَ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ الْجَهَالَةَ الْمُفْضِيَةَ إلَى الْمُنَازَعَةِ الْمَانِعَةِ عَنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ هِيَ الْمُفْسِدَةُ فَمَا لَا يَجِبُ فِيهِ التَّسْلِيمُ وَالتَّسَلُّمُ جَازَ، وَمَا وَجَبَا فِيهِ لَمْ يَجُزْ مَعَ الْجَهَالَةِ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِ الْبَدَلِ شَرْطٌ لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ (وَإِنْ كَانَ عَنْ مَالٍ بِمَنَافِعَ يُعْتَبَرُ بِالْإِجَارَاتِ لِوُجُودِ مَعْنَى الْإِجَارَةِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِمَالٍ) وَكُلُّ مَنْفَعَةٍ يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا بِعَقْدِ الصُّلْحِ، فَإِذَا صَالَحَ عَلَى سُكْنَى بَيْتٍ بِعَيْنِهِ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ جَازَ.