وَمَا يَتَحَمَّلُهُ الشَّاهِدُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ مِثْلُ الْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ وَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ، فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ الشَّاهِدُ أَوْ رَآهُ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ (لِأَنَّهُ عَلِمَ مَا هُوَ الْمُوجِبُ بِنَفْسِهِ) وَهُوَ الرُّكْنُ فِي إطْلَاقِ الْأَدَاءِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا عَلِمْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ» قَالَ (وَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي) لِأَنَّهُ كَذِبٌ، وَلَوْ سَمِعَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَلَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي لَا يَقْبَلُهُ لِأَنَّ النَّغْمَةَ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ فَلَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ إلَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ مَرَاتِبِ الشَّهَادَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ مَا يَتَحَمَّلُهُ الشَّاهِدُ. وَهُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى الْإِشْهَادِ مِثْلُ الْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ وَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ، فَإِذَا سَمِعَ الشَّاهِدُ مَا كَانَ مِنْ الْمَسْمُوعَاتِ كَالْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ رَأَى مَا كَانَ مِنْ الْمُبْصَرَاتِ كَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ مَا هُوَ الْمُوجِبُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ الْحَادِثَةُ بِمَا يُوجِبُهُ.
وَكُلُّ مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ جَازَ لَهُ الْأَدَاءُ بِوُجُودِ مَا هُوَ الرُّكْنُ فِي جَوَازِ الْأَدَاءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا عَلِمْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ» قِيلَ جَعْلُ الْعِلْمِ بِالْمُوجِبِ رُكْنًا فِي الْأَدَاءِ مُخَالِفٌ لِلنَّصَّيْنِ جَمِيعًا فَإِنَّهُمَا يَدُلَّانِ عَلَى شَرْطِيَّتِهِ لَا عَلَى رُكْنِيَّتِهِ، إذْ الْأَحْوَالُ شُرُوطٌ وَإِذَا مَوْضُوعَةٌ لِلشَّرْطِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِذَلِكَ إشَارَةً إلَى شِدَّةِ احْتِيَاجِ الْأَدَاءِ إلَيْهِ.
قَالَ (وَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ إلَخْ) إذَا سَمِعَ الْمُبَايَعَةَ وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهَا وَاحْتِيجَ إلَى الشَّهَادَةِ يَقُولُ الشَّاهِدُ أَشْهَدُ إنَّهُ بَاعَ (وَلَا يَقُولُ أَشْهَدَنِي؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ وَلَوْ سَمِعَ الْإِقْرَارَ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) يُحْجَبُ عَنْ رُؤْيَةِ شَخْصِ الْمُقِرِّ (لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ وَلَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي) بِأَنْ قَالَ أَشْهَدُ بِالسَّمَاعِ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ (لَا يَقْبَلُهُ؛ لِأَنَّ النَّغْمَةَ) وَهُوَ الْكَلَامُ الْخَفِيُّ (تُشْبِهُ النَّغْمَةَ) وَالْمُشْتَبَهُ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ فَانْتَفَى الْمُطْلَقُ لِلْأَدَاءِ.
وَقَوْلُهُ: (إلَّا)