وَعَدَمُ قَبُولِ الْأَرْبَعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ كَيْ لَا يَكْثُرَ خُرُوجُهُنَّ.

قَالَ (وَتُقْبَلُ فِي الْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ وَالْعُيُوبِ بِالنِّسَاءِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ النَّظَرَ إلَيْهِ» وَالْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ فَيَتَنَاوَلُ الْأَقَلَّ.

وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَتْ الذُّكُورَةُ لِيَخِفَّ النَّظَرُ لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَخَفُّ فَكَذَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ إلَّا أَنَّ الْمُثَنَّى وَالثَّلَاثَ أَحْوَطُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْإِلْزَامِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَدَلِيَّةِ فَلَا تُقْبَلُ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَتُقْبَلُ فِيمَا يَثْبُتُ بِهَا، وَهَذِهِ الْحُقُوقُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَثْبُتُ بِهَا. أَمَّا النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ فَظَاهِرٌ لِثُبُوتِهِمَا مَعَ الْهَزْلِ، وَأَمَّا الْوَكَالَةُ وَالْإِيصَاءُ وَالْأَمْوَالُ فَإِنَّهُ يَجْرِي فِيهَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَذَلِكَ أَمَارَةُ ثُبُوتِهَا مَعَ الشُّبْهَةِ فَلِذَلِكَ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَوَابَ عَنْ قَوْلِهِ لِنُقْصَانِ الْعَقْلِ، وَلَا عَنْ قَوْلِهِ لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا نُقْصَانَ فِي عَقْلِهِنَّ فِيمَا هُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ.

وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ لِلنَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ أَرْبَعَ مَرَاتِبَ: الْأُولَى اسْتِعْدَادُ الْعَقْلِ وَيُسَمَّى الْعَقْلَ الْهَيُولَانِيَّ وَهُوَ حَاصِلٌ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ فِي مَبْدَإِ فِطْرَتِهِمْ. وَالثَّانِيَةُ أَنْ تَحْصُلَ الْبَدِيهِيَّاتُ بِاسْتِعْمَالِ الْحَوَاسِّ فِي الْجُزْئِيَّاتِ فَيَتَهَيَّأُ لِاكْتِسَابِ الْفِكْرِيَّاتِ بِالْفِكْرِ، وَيُسَمَّى الْعَقْلَ بِالْمَلَكَةِ وَهُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ. وَالثَّالِثَةُ أَنْ تَحْصُلَ النَّظَرِيَّاتُ الْمَفْرُوغُ عَنْهَا مَتَى شَاءَ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى اكْتِسَابٍ وَهُوَ يُسَمَّى الْعَقْلَ بِالْفِعْلِ.

وَالرَّابِعَةُ هُوَ أَنْ يَسْتَحْضِرَهَا وَيَلْتَفِتَ إلَيْهَا مُشَاهَدَةً وَيُسَمَّى الْعَقْلَ الْمُسْتَفَادَ، وَلَيْسَ فِيمَا هُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ وَهُوَ الْعَقْلُ بِالْمَلَكَةِ فِيهِنَّ نُقْصَانٌ بِمُشَاهَدَةِ حَالِهِنَّ فِي تَحَصُّلِ الْبَدِيهِيَّاتِ بِاسْتِعْمَالِ الْحَوَاسِّ فِي الْجُزْئِيَّاتِ وَبِالتَّنْبِيهِ إنْ نَسِيَتْ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ نُقْصَانٌ لَكَانَ تَكْلِيفُهُنَّ دُونَ تَكْلِيفِ الرِّجَالِ فِي الْأَرْكَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هُنَّ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ» الْمُرَادُ بِهِ الْعَقْلُ بِالْفِعْلِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَصْلُحْنَ لِلْوِلَايَةِ وَالْخِلَافَةِ وَالْإِمَارَةِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ الْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَيْضًا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَعَدَمُ قَبُولِ الْأَرْبَعِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَرْبَعِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي قَبُولَ ذَلِكَ أَيْضًا لَكِنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ كَيْ لَا يَكْثُرَ خُرُوجُهُنَّ.

قَالَ (وَتُقْبَلُ فِي الْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ) اُخْتُصَّ قَبُولُ شَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ بِالْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015