(ثُمَّ يَجُوزُ التَّقَلُّدُ مِنْ السُّلْطَانِ الْجَائِرِ كَمَا يَجُوزُ مِنْ الْعَادِلِ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تَقَلَّدُوهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْحَقُّ كَانَ بِيَدِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي نَوْبَتِهِ، وَالتَّابِعِينَ تَقَلَّدُوهُ مِنْ الْحَجَّاجِ وَكَانَ جَائِزًا إلَّا إذَا كَانَ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْقَضَاءِ بِحَقٍّ

ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ نَزَلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ يُسَدِّدُهُ» وُكِلَ بِالتَّخْفِيفِ: أَيْ فُوِّضَ أَمْرُهُ إلَيْهَا، وَمَنْ فُوِّضَ أَمْرُهُ إلَى نَفْسِهِ لَمْ يَهْتَدِ إلَى الصَّوَابِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ؛ لِأَنَّ مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ فَقَدْ اعْتَمَدَ فِقْهَهُ وَوَرَعَهُ وَذَكَاءَهُ وَأُعْجِبَ فَيُحْرَمَ التَّوْفِيقَ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْتَغِلَ الْمَرْءُ بِطَلَبِ مَا لَوْ نَالَ يَحْرُمُ بِهِ وَإِذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَقَدْ اعْتَصَمَ بِحَبْلِ اللَّهِ مَكْسُورَ الْقَلْبِ بِالْإِكْرَاهِ عَلَى مَا لَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] فَيُلْهَمُ الرُّشْدَ وَالتَّوْفِيقَ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ يَجُوزُ التَّقَلُّدُ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَوَازِ التَّقَلُّدِ لِأَهْلِهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُوَلِّي عَادِلًا أَوْ جَائِرًا، فَكَمَا جَازَ مِنْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ جَازَ مِنْ الْجَائِرِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تَقَلَّدُوا الْقَضَاءَ مِنْ مُعَاوِيَةَ وَكَانَ الْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي نَوْبَتِهِ، دَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ (فِي نَوْبَتِهِ) احْتِرَازًا عَمَّا يَقُولُهُ الرَّوَافِضُ إنَّ الْحَقَّ مَعَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي نَوْبَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالُوا، بَلْ أَجْمَعَ الْأُمَّةُ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ عَلَى صِحَّةِ خِلَافَةِ الْخُلَفَاءِ قَبْلَهُ وَمَوْضِعُهُ بَابُ الْإِمَامَةِ فِي أُصُولِ الْكَلَامِ، وَعُلَمَاءُ السَّلَفِ وَالتَّابِعِينَ تَقَلَّدُوهُ مِنْ الْحَجَّاجِ وَجَوْرُهُ مَشْهُورٌ فِي الْآفَاقِ. وَقَوْلُهُ: (إلَّا إذَا كَانَ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْقَضَاءِ)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015