قَالَ (وَيُكْرَهُ الدُّخُولُ فِيهِ لِمَنْ يَخَافُ الْعَجْزَ عَنْهُ وَلَا بَأْسَ عَلَى نَفْسِهِ الْحَيْفُ فِيهِ) كَيْ لَا يَصِيرَ شَرْطًا لِمُبَاشَرَتِهِ الْقَبِيحَ، وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ الدُّخُولَ فِيهِ مُخْتَارًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ جُعِلَ عَلَى الْقَضَاءِ فَكَأَنَّمَا ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ»

ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا أَنَّ فِيهِ خَطَرَ الْوُقُوعِ فِي الْمَحْظُورِ فَكَانَ بِهِ بَأْسٌ.

قَالَ (وَيُكْرَهُ الدُّخُولُ فِيهِ لِمَنْ يَخَافُ الْعَجْزَ إلَخْ) مَنْ خَافَ الْعَجْزَ عَنْ أَدَاءِ فَرْضِ الْقَضَاءِ وَلَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ الْحَيْفَ وَهُوَ الْجَوْرُ فِيهِ كُرِهَ لَهُ الدُّخُولُ فِيهِ كَيْلَا يَصِيرَ الدُّخُولُ فِيهِ شَرْطًا: أَيْ وَسِيلَةً إلَى مُبَاشَرَةِ الْقَبِيحِ، وَهُوَ الْحَيْفُ فِي الْقَضَاءِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِلَفْظِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يَقَعُ مِنْ الْحَيْفِ إنَّمَا هُوَ بِالْمَيْلِ إلَى حُطَامِ الدُّنْيَا بِأَخْذِ الرِّشَا، وَفِي الْغَالِبِ يَكُونُ ذَلِكَ مَشْرُوطًا بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لِي عَلَى فُلَانٍ أَوْ لَهُ عَلَيَّ مُطَالَبَةٌ بِكَذَا فَإِنْ قَضَيْت لِي فَلَكَ كَذَا، وَكَرِهَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَوْ بَعْضُ السَّلَفِ الدُّخُولَ فِيهِ مُخْتَارًا سَوَاءٌ وَثِقُوا أَنْفُسَهُمْ أَوْ خَافُوا عَلَيْهَا، وَفَسَّرَ الْكَرَاهَةَ هَاهُنَا بِعَدَمِ الْجَوَازِ.

قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي: وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ الدُّخُولُ فِيهِ إلَّا مُكْرَهًا؛ أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دُعِيَ إلَى الْقَضَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَبَى حَتَّى ضُرِبَ فِي كُلِّ مُرَّةٍ ثَلَاثِينَ سَوْطًا، فَلَمَّا كَانَ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ قَالَ: حَتَّى أَسْتَشِيرَ أَصْحَابِي، فَاسْتَشَارَ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَوْ تَقَلَّدْت لَنَفَعْت النَّاسَ، فَنَظَرَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ نَظَرَ الْمُغْضَبِ وَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ أُمِرْت أَنْ أَعْبُرَ الْبَحْرَ سِبَاحَةً أَكُنْت أَقْدِرُ عَلَيْهِ وَكَأَنِّي بِك قَاضِيًا، وَكَذَا دُعِيَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى الْقَضَاءِ فَأَبَى حَتَّى قُيِّدَ وَحُبِسَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015