فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ عَجَّزَ نَفْسَهُ سَقَطَ، وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ، وَإِثْبَاتُهُ مُطْلَقًا يُنَافِي مَعْنَى الضَّمِّ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ الِاتِّحَادُ، وَبَدَلُ السِّعَايَةِ كَمَالِ الْكِتَابَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQجَازَ أَنْ يَسْقُطَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الطَّالِبِ فَلَمْ يَبْقَ لِلْكَفَالَةِ فَائِدَةٌ، بَلْ قَدْ تَكُونُ هُزُؤًا وَلَعِبًا. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى عَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ، فَإِنَّهُ إذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ سَقَطَ الدَّيْنُ وَالْمُسْتَقِرُّ مِنْ الدَّيْنِ مَا لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى الْمُدَّعَى وَهُوَ عَدَمُ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْكَفَالَةَ إنْ صَحَّتْ بِهِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُهُ عَلَى الْكَفِيلِ عَلَى وَجْهِ ثُبُوتِهِ عَلَى الْأَصِيلِ وَهُوَ أَنْ يَسْقُطَ بِتَعْجِيزِ الْكَفِيلِ نَفْسَهُ كَمَا يَسْقُطُ بِتَعْجِيزِ الْأَصِيلِ نَفْسَهُ أَوْ مُطْلَقًا وَلَا سَبِيلَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْأَصِيلَ بِتَعْجِيزِ نَفْسِهِ يُرَدُّ رَقِيقًا لِمَوْلَاهُ كَمَا كَانَ وَالْكَفِيلُ لَيْسَ كَذَلِكَ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِفَوَاتِ شَرْطِ الضَّمِّ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ الِاتِّحَادَ فِي صِفَةِ الْوَاجِبِ بِالْكَفَالَةِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الضَّمِّ وَنَفْيًا لِلزِّيَادَةِ عَلَى الْمُلْتَزِمِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ عَلَى الْأَصِيلِ مُؤَجَّلًا كَانَ عَلَى الْكَفِيلِ كَذَلِكَ فِي الْكَفَالَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَلَوْ كَانَ جَيِّدًا أَوْ زَيْفًا عَلَى الْأَصِيلِ كَانَ عَلَى الْكَفِيلِ كَذَلِكَ، وَالْمُطْلَقُ غَيْرُ مُتَّحِدٍ مَعَ الْمُقَيَّدِ، فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ مُطْلَقًا لَزِمَ إلْزَامُ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا اُلْتُزِمَ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَلِأَنَّهُ إذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ يَسْقُطُ عَنْهُ بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ سُقُوطُ بَدَلِهَا لِابْتِنَائِهَا عَلَيْهَا، إذْ لَوْلَاهَا لَمْ يَسْتَوْجِبْ الْمَوْلَى عَلَيْهِ شَيْئًا (وَبَدَلُ السِّعَايَةِ كَمَالِ الْكِتَابَةِ) فِي عَدَمِ جَوَازِ الْكِفَايَةِ بِهِ لِلْمَوْلَى (عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِكَوْنِهِ دَيْنًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ لِثُبُوتِهِ مَعَ الْمُنَافِي) لِمَا أَنَّ أَحْكَامَ الْمُسْتَسْعَى أَحْكَامُ الْعَبْدِ عِنْدَهُ مِنْ عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَتَزَوُّجِ الْمَرْأَتَيْنِ وَتَنْصِيفِ الْحُدُودِ وَغَيْرِهِمَا. وَعَلَى قَوْلِهِمَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِرًّا لِسُقُوطِهِ بِالتَّعْجِيزِ وَهُوَ فِي السِّعَايَةِ لَا يَتَحَقَّقُ فَكَانَ كَالْحُرِّ الْمَدْيُونِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.