قَالَ (وَمَنْ أَعْطَى صَيْرَفِيًّا دِرْهَمًا وَقَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً جَازَ الْبَيْعُ فِي الْفُلُوسِ وَبَطَلَ فِيمَا بَقِيَ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّ بَيْعَ نِصْفِ دِرْهَمٍ بِالْفُلُوسِ جَائِزٌ وَبَيْعُ النِّصْفِ بِنِصْفٍ إلَّا حَبَّةً رِبًا فَلَا يَجُوزُ (وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَطَلَ فِي الْكُلِّ) لِأَنَّ الصَّفْقَةَ مُتَّحِدَةٌ وَالْفَسَادُ قَوِيٌّ فَيَشِيعُ وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ، وَلَوْ كَرَّرَ لَفْظَ الْإِعْطَاءِ كَانَ جَوَابُهُ كَجَوَابِهِمَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُمَا بَيْعَانِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا دُونَ الدِّرْهَمِ وَمَا فَوْقَهُ، فَجَوَّزَ فِيمَا دُونَ الدِّرْهَمِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ فِي الْعَادَةِ الْمُبَايَعَةُ بِالْفُلُوسِ فِيمَا دُونَ الدِّرْهَمِ فَكَانَ مَعْلُومًا بِحُكْمِ الْعَادَةِ، وَلَا كَذَلِكَ الدِّرْهَمُ. قَالُوا: وَالْأَصَحُّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لَا سِيَّمَا فِي دِيَارِنَا عَلَى عَدَمِ الْمُنَازَعَةِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا وَلِاشْتِرَاكِ الْعُرْفِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَعْطَى صَيْرَفِيًّا دِرْهَمًا إلَخْ) هَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى أَنْ يُعْطِيَ دِرْهَمًا كَبِيرًا وَيَقُولَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ نِصْفًا: أَيْ دِرْهَمًا صَغِيرًا وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ كَبِيرٍ إلَّا حَبَّةً جَازَ الْبَيْعُ فِي الْفُلُوسِ وَبَطَلَ فِيمَا بَقِيَ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَابَلَ نِصْفَ الدِّرْهَمِ بِالْفُلُوسِ وَلَا مَانِعَ فِيهِ عَنْ الْجَوَازِ وَقَابَلَ النِّصْفَ بِنِصْفٍ إلَّا حَبَّةً وَهُوَ رِبًا فَلَا يَجُوزُ، وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَطَلَ فِي الْكُلِّ لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ وَقُوَّةِ الْفَسَادِ لِكَوْنِهِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ فَيَشِيعُ، كَمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَبَاعَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً، وَعِبَارَةُ الْكِتَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا نَصَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالثَّانِيَةُ إنْ تَكَرَّرَ لَفْظُ الْإِعْطَاءِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَالْحُكْمُ أَنَّ الْعَقْدَ فِي حِصَّةِ الْفُلُوسِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدَانِ. وَفَسَادُ أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْآخَرِ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْنِي بِنِصْفِ هَذِهِ الْأَلْفِ عَبْدًا وَبِنِصْفِهَا دَنًّا مِنْ الْخَمْرِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ فِي الْعَبْدِ صَحِيحٌ وَفِي الْخَمْرِ فَاسِدٌ وَلَمْ يَشِعْ الْفَسَادُ لِتَفْرِقَةِ الصَّفْقَةِ.

وَحُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيِّ وَالْفَقِيهِ الْمُظَفَّرِ بْنِ الْمَيَّانِ وَالشَّيْخِ الْإِمَامِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَصِحُّ هَاهُنَا أَيْضًا وَإِنْ كَرَدِّ لَفْظِ الْإِعْطَاءِ لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ. فَإِنَّ قَوْلَهُ أَعْطِنِي مُسَاوَمَةٌ وَبِتَكْرَارِهَا لَا يَتَكَرَّرُ الْبَيْعُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ بِذِكْرِ الْمُسَاوَمَةِ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ بِعْنِي فَقَالَ بِعْتُك لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَقُلْ الْآخَرُ اشْتَرَيْت، وَإِذَا كَانَ لَا يَنْعَقِدُ بِذِكْرِ الْمُسَاوَمَةِ فَكَيْفَ يَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِهَا؟ قِيلَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَقُولَ: أَعْطِنِي نِصْفَ دِرْهَمِ فُلُوسٍ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فُلُوسًا بَدَلًا عَنْ نِصْفٍ وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً جَازَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُولَى أَنَّهُ لَمْ يُكَرِّرْ لَفْظَ بِنِصْفِهِ بَلْ قَابَلَ الدِّرْهَمَ بِمَا يُبَاعُ مِنْ الْفُلُوسِ وَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً فَيَكُونُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015