تَعَالَى
(وَجَلَسَ فِي الْأَخِيرَةِ كَمَا جَلَسَ فِي الْأُولَى) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَلِأَنَّهَا أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ، فَكَانَ أَوْلَى مِنْ التَّوَرُّكِ الَّذِي يَمِيلُ إلَيْهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَاَلَّذِي يَرْوِيهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَعَدَ مُتَوَرِّكًا» ضَعَّفَهُ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى حَالَةِ الْكِبَرِ
(وَتَشَهَّدَ وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَنَا وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَهُوَ لَيْسَ بِفَرِيضَةٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِمَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَقْصُودٌ فَيُكْرَهُ إخْلَاؤُهُ عَنْ الذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ جَمِيعًا كَمَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَوَجْهُ الصَّحِيحِ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى مَا يَأْتِيك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدُ.
وَقَوْلُهُ: (وَجَلَسَ فِي الْأَخِيرَةِ كَمَا جَلَسَ فِي الْأُولَى) قِيلَ إنَّمَا قَالَ فِي الْأَخِيرَةِ لِيَتَنَاوَلَ قَعْدَةَ الْعَجْزِ وَقَعْدَةَ الْمُسَافِرِ، وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ كَمَا جَلَسَ فِي الْأُولَى يَنْبُو عَنْ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: (لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ) بْنِ حُجْرٍ يُرِيدُ بِهِ قَوْلَهُ يُرْوَى ذَلِكَ فِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ. وَقَوْلُهُ: (وَعَائِشَةَ) أَيْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. وَقَوْلُهُ: هَكَذَا وَصَفَتْ عَائِشَةُ قُعُودَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهَا) أَيْ الْجِلْسَةَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ (أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ) مِنْ التَّوَرُّكِ الَّذِي يَمِيلُ إلَيْهِ مَالِكٌ، قَالَ مَالِكٌ: الْمَسْنُونُ فِي الْقَعْدَةِ أَنْ يَقْعُدَ مُتَوَرِّكًا بِأَنْ يُخْرِجَ رِجْلَيْهِ مِنْ جَانِبٍ وَيُفْضِي بِأَلْيَتَيْهِ إلَى الْأَرْضِ فِي الْقَعْدَتَيْنِ جَمِيعًا مَا كَانَ أَشَقَّ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَاَلَّذِي يَرْوِيهِ مَالِكٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَعَدَ مُتَوَرِّكًا» ضَعَّفَهُ الطَّحَاوِيُّ، قَالَ: هَذَا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ نَقَلَةِ الْحَدِيثِ، وَلَئِنْ صَحَّ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى الْكِبَرِ.
قَوْلُهُ: (وَتَشَهَّدَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ جَلَسَ (وَهُوَ وَاجِبٌ عِنْدَنَا، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا) أَيْ فِي قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ فَإِنَّهُمَا فَرْضَانِ عِنْدَهُ. أَمَّا التَّشَهُّدُ فَلِمَا رَوَاهُ «ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، إلَى أَنْ قَالَ فِي آخِرِهِ: إذَا قُلْتَ هَذَا أَوْ فَعَلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك» أَطْلَقَ اسْمَ الْفَرْضِ عَلَى التَّشَهُّدِ وَقَالَ لَهُ قُلْ، وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَعَلَّقَ التَّمَامَ بِهِ فَلَا يَتِمُّ بِدُونِهِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَلَا وُجُوبَ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَكَانَ فِيهَا.
وَلَنَا عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ التَّشَهُّدِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَإِنَّهُ عَلَّقَ عَلَى التَّمَامِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَأَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ التَّمَامَ مُعَلَّقٌ بِالْقَعْدَةِ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا لَمْ تُجْزِهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالثَّانِي لِيَتَحَقَّقَ التَّخْيِيرُ، فَإِنَّ مُوجِبَ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ الْإِتْيَانُ بِأَحَدِهِمَا،