وَلَنَا أَنَّهُ مَالُ الرِّبَا مِنْ وَجْهٍ نَظَرًا إلَى الْقَدْرِ أَوْ الْجِنْسِ وَالنَّقْدِيَّةُ أَوْجَبَتْ فَضْلًا فِي الْمَالِيَّةِ فَتَتَحَقَّقَ شُبْهَةُ الرِّبَا وَهِيَ مَانِعَةٌ كَالْحَقِيقَةِ، إلَّا أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ النُّقُودَ فِي الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ يَجُوزُ، وَإِنْ جَمَعَهُمَا الْوَزْنُ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَّفِقَانِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْحَقِيقَةِ، وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا قِيلَ إنَّ كَوْنَهُ مِنْ مَالِ الرِّبَا مِنْ وَجْهٍ شُبْهَةٌ وَكَوْنُ النَّقْدِيَّةِ أَوْجَبَتْ فَضْلًا شُبْهَةٌ فَصَارَ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ، وَالشُّبْهَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ النَّازِلِ عَنْهَا. وَالثَّانِي أَنَّ كَوْنَ شُبْهَةِ الرِّبَا كَالْحَقِيقَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا أَوْ فِي مَحَلِّ الْحَقِيقَةِ، وَالْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ، لَكِنَّهَا كَانَتْ جَائِزَةً فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الشُّبْهَةُ كَذَلِكَ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأُولَى أَنَّ الشُّبْهَةَ الْأُولَى فِي الْمَحَلِّ وَالثَّانِيَةَ فِي الْحُكْمِ.
وَثَمَّةَ شُبْهَةٌ أُخْرَى وَهِيَ الَّتِي فِي الْعِلَّةِ وَشُبْهَةُ الْعِلَّةِ وَالْمَحَلِّ تَثْبُتُ بِهَا شُبْهَةُ الْحُكْمِ لَا شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْقِسْمَةَ غَيْرُ حَاصِرَةٍ بَلْ الشُّبْهَةُ مَانِعَةٌ فِي مَحَلِّ الشُّبْهَةِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا، كَمَا أَنَّ الْحَقِيقَةَ مَانِعَةٌ فِي مَحَلِّهَا إذَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ بِكَمَالِهَا. فَإِنْ قِيلَ: مَا بَالُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَسْتَدِلَّ لِلْجَانِبَيْنِ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، كَمَا اسْتَدَلَّ بَعْضُ الشَّارِحِينَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَهَّزَ جَيْشًا فَأَمَرَنِي أَنْ أَشْتَرِيَ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ إلَى أَجَلٍ» لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً» لَنَا. فَالْجَوَابُ أَنَّ جَهَالَةَ التَّارِيخِ وَتَطَرُّقَ الِاحْتِمَالَاتِ لِلتَّأْوِيلِ مَنَعَاهُ عَنْ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى حُرْمَةِ النَّسَاءِ فَكَانَ الِاسْتِدْلَال بِهِ أَوْلَى مِنْ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْخَصْمَ إنْ سَلَّمَ الْإِجْمَاعَ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ إنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى النَّسَاءِ فِي كَمَالِ الْعِلَّةِ لَا فِي شُبْهَتِهَا. وَقَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا وَعَدِمَ الْآخَرُ حَلَّ