قُلْنَا: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّعْلِيمِ لِأَنَّ أَنَسًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخْبَرَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ لَا يَجْهَرُ بِهَا» .
ثُمَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهَا فِي أَوَّلِ كُلِّ رَكْعَةٍ كَالتَّعَوُّذِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قُلْنَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّعْلِيمِ) كَمَا شُرِعَ الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ لِلْإِعْلَامِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ جَهَرَ بِالثَّنَاءِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ لِلتَّعْلِيمِ؛ لِأَنَّ «أَنَسًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْآثَارُ وَجَبَ التَّأْوِيلُ، وَهُوَ كَمَا قُلْنَا مِنْ الْحَمْلِ عَلَى التَّعْلِيمِ.
وَقِيلَ كَانَ الْجَهْرُ فِي الِابْتِدَاءِ قَبْلَ نُزُولِ قَوْله تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَجْهَرُونَ بِالثَّنَاءِ وَالْقِرَاءَةِ أَيْضًا حَتَّى نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ} [الإسراء: 110] فَإِنْ قِيلَ خَبَرُ الْإِخْفَاءِ بِالتَّسْمِيَةِ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى كَحَدِيثِ مَسِّ الذَّكَرِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ ثَلَاثٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَلَوْ كَانَ هَذَا الْخَبَرُ ثَابِتًا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ لَاشْتُهِرَ، وَلَوْ اُشْتُهِرَ لَمَا بَقِيَ الِاخْتِلَافُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَلَمَّا بَقِيَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ مَعَ عُمُومِ الْبَلْوَى دَلَّ عَلَى زِيَافَتِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْجَهْرِ وَتُوجِبُ الِاخْتِلَافَ قَدْ ذَكَرْنَا تَأْوِيلَهَا، وَالتَّأْوِيلُ يَرْفَعُ الِاخْتِلَافَ، فَلَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ اخْتِلَافٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ رَفْعَ التَّأْوِيلِ اللَّاحِقِ لِلِاخْتِلَافِ السَّابِقِ مَمْنُوعٌ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا الِاعْتِرَاضُ سَاقِطٌ بِالْمُعَارَضَةِ، فَإِنَّ لَنَا أَنْ نَقُولَ خَبَرُ الْجَهْرِ بِالتَّسْمِيَةِ أَيْضًا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى. وَقَوْلُهُ: وَيُسِرُّ بِهِمَا الْبَاءُ زَائِدَةٌ وَقَعَ سَهْوًا؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ أَسَرَّ الْحَدِيثَ بِلَا بَاءٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ} [الرعد: 10] (ثُمَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهَا فِي أَوَّلِ كُلِّ رَكْعَةٍ كَالتَّعَوُّذِ) وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِآيَةٍ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ وَإِنَّمَا يُقْرَأُ لِافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، وَالصَّلَاةُ