وَالتَّفَرُّقُ فِيهِ تَفَرُّقُ الْأَقْوَالِ.
قَالَ (وَالْأَعْوَاضُ الْمُشَارُ إلَيْهَا لَا يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ مِقْدَارِهَا فِي جَوَازِ الْبَيْعِ) لِأَنَّ بِالْإِشَارَةِ كِفَايَةٌ فِي التَّعْرِيفِ وَجَهَالَةُ الْوَصْفِ فِيهِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQكَلَامِهِمَا، وَالْكَلَامُ فِي حَقِيقَةِ الْكَلَامِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مَنْقُولٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَقَوْلُهُ (وَالتَّفَرُّقُ تَفَرُّقُ الْأَقْوَالِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ التَّفَرُّقُ عَرْضٌ فَيُقَوَّمُ بِالْجَوْهَرِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: حَمْلُ التَّفَرُّقِ عَلَى ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ قِيَامَ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ وَهُوَ مُحَالٌ بِإِجْمَاعِ مُتَكَلِّمِي أَهْلِ السُّنَّةِ فَيَكُونُ إسْنَادُ التَّفَرُّقِ إلَيْهَا مَجَازًا، فَمَا وَجْهُ تَرْجِيحِ مَجَازِكُمْ عَلَى مَجَازِهِمْ؟ . وَأُجِيبَ بِأَنَّ إسْنَادَ التَّفْرِيقِ وَالتَّفَرُّقِ إلَى غَيْرِ الْأَعْيَانِ سَائِغٌ شَائِعٌ، فَصَارَ بِسَبَبِ فَشْوِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَقِيقَةِ، قَالَ تَعَالَى {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البينة: 4] الْآيَةَ وَقَالَ {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285] وَالْمُرَادُ التَّفَرُّقُ فِي الِاعْتِقَادِ.
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً» وَهُوَ أَيْضًا فِي الِاعْتِقَادِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَجَازَ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ أَوْ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَيْضًا كَذَلِكَ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ عِنْدَهُ، وَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: حَمْلُهُ عَلَى التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ رَدٌّ إلَى الْجَهَالَةِ، إذْ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَعْلُومٌ وَلَا غَايَةَ مَعْرُوفَةٌ فَيَصِيرُ مِنْ أَشْبَاهِ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَهُوَ مَقْطُوعٌ بِفَسَادِهِ عَادَةً، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَيْسَ لِهَذَا الْحَدِيثِ حَدٌّ مَعْرُوفٌ. أَوْ نَقُولُ: التَّفَرُّقُ يُطْلَقُ عَلَى الْأَعْيَانِ وَالْمَعَانِي بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ. وَتَتَرَجَّحُ جِهَةُ التَّفَرُّقِ بِالْأَقْوَالِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَدَاءِ حَمْلِهِ عَلَى التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ إلَى الْجَهَالَةِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ: أَعْنِي حَمْلَ التَّفَرُّقِ عَلَى الْأَقْوَالِ مَنْقُولٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَعْوَاضُ الْمُشَارُ إلَيْهَا لَا يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ مِقْدَارِهَا) الْأَعْوَاضُ الْمُشَارُ إلَيْهَا ثَمَنًا كَانَتْ أَوْ مُثَمَّنًا لَا يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ مِقْدَارِهَا