قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْ الْوَقْفِ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِهِ الْحَاكِمُ أَوْ يُعَلِّقَهُ بِمَوْتِهِ فَيَقُولَ إذَا مِتُّ فَقَدْ وَقَفْت دَارِي عَلَى كَذَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ (يَزُولُ مِلْكُهُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَزُولُ حَتَّى يَجْعَلَ لِلْوَقْفِ وَلِيًّا وَيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ) قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْوَقْفُ لُغَةً. هُوَ الْحَبْسُ تَقُولُ وَقَفْت الدَّابَّةَ وَأَوْقَفْتهَا بِمَعْنًى. وَهُوَ فِي الشَّرْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ. ثُمَّ قِيلَ الْمَنْفَعَةُ مَعْدُومَةٌ فَالتَّصَدُّقُ بِالْمَعْدُومِ لَا يَصِحُّ، فَلَا يَجُوزُ الْوَقْفُ أَصْلًا عِنْدَهُ، وَهُوَ الْمَلْفُوظُ فِي الْأَصْلِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَهُ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ، وَعِنْدَهُمَا حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مُلْكِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ تَعُودُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْوَقْفُ لِأَنَّهُ قَالَ: وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَعْدُومِ لَا يَصِحُّ.
وَقَوْلُهُ (وَهُوَ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ (فَلَا يَجُوزُ الْوَقْفُ أَصْلًا عِنْدَهُ وَهُوَ الْمَلْفُوظُ فِي الْأَصْلِ) يَعْنِي الْمَبْسُوطَ، وَلَكِنَّهُ نَقَلَهُ بِالْمَعْنَى لَا بِعَيْنِ لَفْظِهِ، فَإِنَّ لَفْظَ الْمَبْسُوطِ: فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَكَانَ لَا يُجِيزُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: فَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَجْعَلُهُ لَازِمًا، فَأَمَّا أَصْلُ الْجَوَازِ فَثَابِتٌ عِنْدَهُ كَالْعَارِيَّةِ تُصْرَفُ الْمَنْفَعَةُ إلَى جِهَةِ الْوَقْفِ وَتَبْقَى الْعَيْنُ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ، وَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِطَرِيقَيْنِ: قَضَاءُ الْقَاضِي بِلُزُومِهِ لِكَوْنِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ، وَإِخْرَاجُهُ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ بِأَنْ يَقُولَ: أَوْصَيْت بِغَلَّةِ دَارِي، فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ.
وَعِنْدَهُمَا هُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَزُولُ