(وَإِنْ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانُهُمْ فَيْءٌ) ؛ لِجَوَازِ اسْتِرْقَاقِهِمْ (وَلَا تُوضَعُ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ وَلَا الْمُرْتَدِّينَ) لِأَنَّ كُفْرَهُمَا قَدْ تَغَلُّظَ، أَمَّا مُشْرِكُو الْعَرَبِ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ فَالْمُعْجِزَةُ فِي حَقِّهِمْ أَظْهَرُ.

وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ؛ فَلِأَنَّهُ كَفَرَ بِرَبِّهِ بَعْدَمَا هُدِيَ لِلْإِسْلَامِ وَوَقَفَ عَلَى مَحَاسِنِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ زِيَادَةً فِي الْعُقُوبَةِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُسْتَرَقُّ مُشْرِكُو الْعَرَبِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ جَازَ ضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ لَجَازَ ضَرْبُهَا عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لِمَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْجِزْيَةَ بَدَلُ النُّصْرَةِ وَلَا نُصْرَةَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ فَكَذَا بَدَلُهُ، وَهَذَا لَيْسَ بِدَافِعٍ بَلْ هُوَ مُقَرِّرٌ لِلنَّقْضِ. وَالصَّوَابُ أَنَّ قَبُولَ الْمَحَلِّ شَرْطُ تَأْثِيرِ الْمُؤَثِّرِ فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَكُلُّ مَنْ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ يَجُوزُ ضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ إذَا كَانَ الْمَحَلُّ قَابِلًا، وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ لَيْسَا كَذَلِكَ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ الْكَسْبِ وَهُمَا عَاجِزَانِ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ (وَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ (قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ وَضْعِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ (فَهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانُهُمْ فَيْءٌ) أَيْ غَنِيمَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِجَوَازِ اسْتِرْقَاقِهِمْ (وَلَا تُوضَعُ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ وَلَا الْمُرْتَدِّينَ لِأَنَّ كُفْرَهُمَا قَدْ تَغَلُّظَ) عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، وَكُلُّ مَنْ تَغَلُّظَ كُفْرُهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا السَّيْفُ أَوْ الْإِسْلَامُ. (زِيَادَةً فِي الْعُقُوبَةِ) عَلَيْهِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا مَنْقُوضٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ تَغَلُّظَ كُفْرُهُمْ، فَإِنَّهُمْ عَرَفُوا النَّبِيَّ مَعْرِفَةً تَامَّةً مُمَيِّزَةً مُشَخِّصَةً وَمَعَ ذَلِكَ أَنْكَرُوهُ وَغَيَّرُوا اسْمَهُ وَنَعْتَهُ مِنْ الْكُتُبِ وَقَدْ قَبِلَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ. وَأَيْضًا الْفَصْلُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ بِجَوَازِ اسْتِرْقَاقِهِمْ دُونَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أَوْطَاسٍ «لَوْ جَرَى رِقٌّ عَلَى عَرَبِيٍّ لَجَرَى الْيَوْمَ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقِيَاسَ كَانَ يَقْتَضِي أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ إلَّا أَنَّهُ تُرِكَ بِالْكِتَابِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] الْآيَةَ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ مُرَادَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَرَبِيُّ الْأَصْلِ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ وَإِنْ سَكَنُوا فِيمَا بَيْنَ الْعَرَبِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015