تُعِيدُ الصَّلَاةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ لَا تُعِيدُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا تُعِيدُ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ) لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُوصَفُ بِالْكَثْرَةِ إذَا كَانَ مَا يُقَابِلُهُ أَقَلَّ مِنْهُ إذْ هُمَا مِنْ أَسْمَاءِ الْمُقَابَلَةِ (وَفِي النِّصْفِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ) فَاعْتَبَرَ الْخُرُوجَ عَنْ حَدِّ الْقِبْلَةِ أَوْ عَدَمَ الدُّخُولِ فِي ضِدِّهِ وَلَهُمَا أَنَّ الرُّبْعَ يَحْكِي حِكَايَةَ الْكَمَالِ كَمَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَالْحَلْقِ فِي الْإِحْرَامِ، وَمَنْ رَأَى وَجْهَ غَيْرِهِ يُخْبِرُ عَنْ رُؤْيَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَرَ إلَّا أَحَدَ جَوَانِبِهِ الْأَرْبَعَةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مَا يَثْبُتُ دَلَالَةً بِالتَّصْرِيحِ غَيْرُ قَبِيحٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} [المدثر: 9] {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر: 10] وَبِأَنَّ الرُّبْعَ مَانِعٌ قِيَاسًا وَالثُّلُثُ اسْتِحْسَانًا، فَأَوْرَدَهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَبِأَنَّ الرُّبْعَ مَانِعٌ مَعَ الْقَدَمِ وَالثُّلُثَ مَانِعٌ بِدُونِهَا، وَبِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ سَأَلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَأَوْرَدَهُ مُحَمَّدٌ كَذَلِكَ. اعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ قَلِيلَ الِانْكِشَافِ مَعْفُوٌّ وَكَثِيرَهُ لَيْسَ بِمَعْفُوٍّ.

وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: الرُّبْعُ كَثِيرٌ وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَا دُونَ النِّصْفِ قَلِيلٌ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُوصَفُ بِالْكَثْرَةِ إلَّا إذَا كَانَ مَا يُقَابِلُهُ أَقَلَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ مِنْ أَسْمَاءِ الْمُقَابَلَةِ يُرِيدُ بِهِ تَقَابُلَ التَّضَايُفِ، وَالْإِضَافَةُ هَيْئَةٌ تَكُونُ مَاهِيَّتُهَا مَعْقُولَةً بِالْقِيَاسِ إلَى هَيْئَةٍ أُخْرَى تَكُونُ مَاهِيَّتُهَا مَعْقُولَةً بِالْقِيَاسِ إلَى الْهَيْئَةِ الْأُولَى كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ، وَاَلَّذِي فِي الشُّرُوحِ أَنَّ التَّقَابُلَ بَيْنَهُمَا تَقَابُلُ الضِّدَّيْنِ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، فَإِنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى شَيْءٍ وَكَثِيرًا بِالنِّسْبَةِ إلَى شَيْءٍ آخَرَ. وَعَلَى هَذَا وَرَدَ فِي النِّصْفِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ.

وَقَوْلُهُ: (فَاعْتُبِرَ الْخُرُوجُ عَنْ حَدِّ الْقِلَّةِ أَوْ عَدَمُ الدُّخُولِ فِي ضِدِّهِ) دَلِيلُ الرِّوَايَتَيْنِ، يَعْنِي أَنَّ النِّصْفَ لَمَّا خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْقِلَّةِ؛ لِأَنَّ مُقَابِلَهُ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ كَانَ دَاخِلًا تَحْتَ حَدِّ الْكَثْرَةِ، وَأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَدْخُلْ فِي ضِدِّهِ أَيْ ضِدِّ الْقَلِيلِ وَهُوَ الْكَثِيرُ فَإِنَّ مُقَابِلَهُ وَهُوَ النِّصْفُ الْآخَرُ لَيْسَ بِأَقَلَّ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا تَحْتَ حَدِّ الْكَثْرَةِ وَكَانَ قَلِيلًا لَا تَجِبُ بِهِ الْإِعَادَةُ. وَقَوْلُهُ: فِي ضِدِّهِ: أَيْ فِي مُقَابِلِهِ وَكَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَلَّ الشَّارِحِينَ عَلَى تَفْسِيرِ الْمُقَابَلَةِ بِالتَّضَادِّ. وَقَوْلُهُ: (إنَّ الرُّبْعَ يَحْكِي حِكَايَةَ الْكَمَالِ) يَعْنِي أَنَّ رُبْعَ الشَّيْءِ أُقِيمَ مَقَامَ الْكُلِّ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَاسْتِعْمَالُ الْكَلَامِ كَمَسْحِ الرَّأْسِ وَالْحَلْقِ فِي الْإِحْرَامِ.

وَيُقَالُ رَأَيْت فُلَانًا وَإِنْ لَمْ يَرَ مِنْهُ إلَّا وَجْهَهُ أَحَدَ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ، فَكَذَا هَاهُنَا احْتِيَاطًا فِي بَابِ الْعِبَادَةِ، وَاعْتُرِضَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015