وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْجِهَادُ مَاضٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَأَرَادَ بِهِ فَرْضًا بَاقِيًا، وَهُوَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ؛ لِأَنَّهُ مَا فُرِضَ لِعَيْنِهِ إذْ هُوَ إفْسَادٌ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا فُرِضَ لِإِعْزَازِ دِينِ اللَّهِ وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنْ الْعِبَادِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْجِهَادُ مَاضٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» أَيْ نَافِذٌ، مِنْ مَضَى فِي الْأَرْضِ مُضِيًّا إذَا نَفَذَ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ التَّمَسُّكُ عَلَى دَعْوَى الْفَرْضِيَّةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. أُجِيبَ بِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إذَا تَأَيَّدَ بِالْحُجَّةِ الْقَطْعِيَّةِ صَحَّ إضَافَةُ الْفَرْضِيَّةِ إلَيْهِ، وَهَاهُنَا تَأَيَّدَ هَذَا الْحَدِيثُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا} [التوبة: 5] وَبِالْإِجْمَاعِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إذَا تَأَيَّدَ بِالْقَطْعِيِّ أَفَادَ الْفَرْضِيَّةَ، فَإِنَّ الْفَرْضِيَّةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ ثَابِتَةً بِذَلِكَ الْقَطْعِيِّ لَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْخَبَرُ لَمْ يَذْكُرْهُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْفَرْضِيَّةِ بَلْ لِبَيَانِ دَوَامِهِ وَبَقَائِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ فَإِنَّ الدَّلَائِلَ الْقَطْعِيَّةَ فِي الْبَابِ لَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ جَازَ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِمَا احْتَمَلَهُ النَّصُّ (وَأَمَّا كَوْنُهُ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ فَلِأَنَّهُ مَا فُرِضَ لِعَيْنِهِ لِكَوْنِهِ إفْسَادًا فِي نَفْسِهِ) بِتَخْرِيبِ الْبِلَادِ وَإِفْنَاءِ الْعِبَادِ، لَكِنْ (لِإِعْزَازِ دِينِ اللَّهِ وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنْ الْعِبَادِ