حَقًّا لِلْعَبْدِ كَمَا تَسْقُطُ عِصْمَةُ الْمَالِ (وَإِنْ أُخِذَ بَعْدَ مَا تَابَ وَقَدْ قَتَلَ عَمْدًا فَإِنْ شَاءَ الْأَوْلِيَاءُ قَتَلُوهُ وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا عَنْهُ) لِأَنَّ الْحَدَّ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ لَا يُقَامُ بَعْدَ التَّوْبَةِ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ، وَلِأَنَّ التَّوْبَةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى رَدِّ الْمَالِ وَلَا قَطْعَ فِي مِثْلِهِ، فَظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْوَلِيُّ الْقِصَاصَ أَوْ يَعْفُوَ،

ـــــــــــــــــــــــــــــQحَقًّا لِلْعَبْدِ كَمَا تَسْقُطُ عِصْمَةُ الْمَالِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ يَجْرِي مَجْرَى الْأَمْوَالِ فَكَانَ سُقُوطُ الْعِصْمَةِ فِي حَقِّ الْمَالِ سُقُوطَ الْعِصْمَةِ فِي حَقِّ الْجُرْحِ لِأَنَّ مُوجِبَ الْأَرْشِ هُوَ الْمَالُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ لَصَارَتْ شُبْهَةً فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ؛ إذْ الْجِنَايَةُ وَاحِدَةٌ وَهِيَ قَطْعُ الطَّرِيقِ، فَإِذَا ظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ عُلِمَ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِيهِ وَقَدْ ظَهَرَ حَقُّ اللَّهِ حَيْثُ وَجَبَ الْقَطْعُ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ شَاءَ الْأَوْلِيَاءُ قَتَلُوهُ) يَعْنِي قِصَاصًا. وَقَوْلُهُ (لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ) يُرِيدُ بِهِ قَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] الْآيَةَ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ قَوْلَهُ {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [المائدة: 34] هَاهُنَا نَظِيرُهُ {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] قِيلَ: هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ {وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا جُمْلَتَانِ كَامِلَتَانِ عُطِفَتَا عَلَى جُمْلَتَيْنِ كَامِلَتَيْنِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] لَا يَصْلُحُ جَزَاءً، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ {وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] وَاعْتُرِضَ أَيْضًا بِأَنَّ التَّوْبَةَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى أَدَاءِ الْمَالِ أَوَّلًا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَا يَسْتَقِيمُ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّ التَّوْبَةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى رَدِّ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ كَانَ الْوَجْهُ الثَّانِي دَاخِلًا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَلَا يَكُونُ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ جُزْءَ عِلَّةٍ وَعِلَّةً مُسْتَقِلَّةً بِالنِّسْبَةِ إلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ بِنَفْسِ التَّوْبَةِ وَهِيَ الْإِقْلَاعُ فِي الْحَالِ وَالِاجْتِنَابُ فِي الْمَآلِ وَالنَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهِ أَبَدًا، وَلَمْ يَجْعَلُوا التَّوْبَةَ بِهَذَا الْمَعْنَى مَوْقُوفَةً عَلَى رَدِّ الْمَالِ. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْحَدَّ لَا يَسْقُطُ مَا لَمْ يَرُدَّ الْمَالَ فَجَعَلُوا الرَّدَّ مِنْ تَمَامِهَا، فَالْمُصَنِّفُ جَمَعَ بَيْنَ قَوْلَيْ الْمَشَايِخِ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ، ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ.

وَقَوْلُهُ (وَلَا قَطْعَ فِي مِثْلِهِ) أَيْ فِي مِثْلِ مَا إذَا رَدَّ الْمَالَ إلَى الْمَالِكِ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ تَنْقَطِعُ بِرَدِّ الْمَالِ إلَيْهِ وَهِيَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْقَطْعِ. وَقَوْلُهُ (فَظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ) يَعْنِي لَمَّا انْتَفَى حَقُّ الشَّرْعِ وَهُوَ الْقَطْعُ بِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْخُصُومَةُ بِرَدِّ الْمَالِ (ظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْوَلِيُّ الْقِصَاصَ أَوْ يَعْفُوَ)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015