قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] الْآيَةَ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَا تَتَحَقَّقُ دُونَهُمَا وَالْقَطْعُ جَزَاءُ الْجِنَايَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْدِيرِ بِالْمَالِ الْخَطِيرِ لِأَنَّ الرَّغَبَاتِ تَفْتُرُ فِي الْحَقِيرِ، وَكَذَا أَخْذُهُ لَا يَخْفَى فَلَا يَتَحَقَّقُ رُكْنُهُ وَلَا حِكْمَةُ الزَّجْرِ لِأَنَّهَا فِيمَا يَغْلِبُ، وَالتَّقْدِيرُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَذْهَبُنَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ التَّقْدِيرُ بِرُبْعِ دِينَارٍ. وَعِنْدَ مَالِكٍ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ. لَهُمَا أَنَّ الْقَطْعَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَانَ إلَّا فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ، وَأَقَلُّ مَا نُقِلَ فِي تَقْدِيرِهِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، وَالْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ الْمُتَيَقَّنِ بِهِ أَوْلَى،

ـــــــــــــــــــــــــــــQ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] فَإِنَّ الْحُكْمَ إذَا تَرَتَّبَ عَلَى صِفَةٍ كَانَ مَصْدَرُهَا عِلَّةً لَهُ كَمَا عُرِفَ، وَالْآيَةُ كَمَا تَرَى عَامٌّ، لَكِنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لِأَنَّهُ خِطَابُ الشَّرْعِ فَهُوَ تَكْلِيفٌ، وَلَا تَكْلِيفَ إلَّا مَعَ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهِمَا لِتَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِلْجَزَاءِ.

وَأَمَّا تَقْدِيرُ الْمَالِ فَلِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ. وَأَمَّا أَصْحَابُ الظَّوَاهِرِ فَلَا يَعْتَبِرُونَ النِّصَابَ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُسْتَدِلًّا بِظَاهِرِ الْآيَةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى النِّصَابِ أَصْلًا، بِخِلَافِ كَوْنِهِ مَالًا مُحْرَزًا فَإِنَّ لَفْظَ السَّرِقَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْمُبَاحِ يُسَمَّى اصْطِيَادًا أَوْ احْتِطَابًا لَا سَرِقَةً، وَكَذَلِكَ مَا لَيْسَ بِمُحْرَزٍ فَأَخْذُهُ لَا يُسَمَّى سَرِقَةً لِانْعِدَامِ مُسَارَقَةِ عَيْنِ الْحَافِظِ. وَقُلْنَا: مَعْنَى اسْمِ السَّارِقِ يَدُلُّ عَلَى خَطَرِ الْمَأْخُوذِ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ السَّرِقَةِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنْ الْحَرِيرِ فَلَا بُدَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015